مقالات

“النظرية التربوية الإسلامية : الهوية الحضارية الفكرية والقضايا المعاصرة” اعداد: خلود علي العلياني – باحثة دكتوراة الأصول الإسلامية – جامعة أم القرى

مما لا شك فيه أن تطور العلم في أي مجال معرفي يعتمد اعتمادًا كثيراً على تطور النظريات والقوانين والحقائق فيه، حيث تؤدي النظريات دوراً كبيراً في تشكيل البنية المعرفية؛ لأنها تقوم بتغيير الظواهر، وتساعد على التنبؤ ببعضها، وتقوم بوصفها وتحديد أبعادها، والتوقعات التي يمكن أن تترتب عليها.

من هنا يمكن أن نقول بأن الحاجة أصبحت ملحّة في وجود نظرية تربوية مصاغة وفق المنهج الرباني، نحن بحاجة إلى نظرية تربوية تربط أجزاء المجتمع المسلم، وتوجّه ثقافته، وتعيد للأمة الإسلامية عزها ومجدها.
ويمكن تعريف النظرية بالمفهوم العام بأنها: عبارة عن “مجموعة من القواعد والقوانين التي ترتبط بظاهرة ما، بحيث ينتج عن هذه القوانين مجموعة من المفاهيم والافتراضات والعمليات التي يتصل بعضها ببعض؛ لتؤلف نظرة منظمة ومتكاملة حول تلك الظاهرة. ويمكن أن تُستخدم في تفسيرها والتنبؤ بها في المواقف المختلفة”.

ومن نظر في الواقع الذي نعيشه اليوم وجد أن كثيرًا من “النظريات التي تحكم الممارسات التربوية والتي يتم في ضوئها تفسير الظواهر التربوية هي في جملتها نظريات غربية، صدرت عن فلسفات غربية، وكانت تنظيرًا لواقع تربوي مختلف”. وهذا التغيير المطلوب لا يكون بالانتقال من تقليد إلى تقليد، ولا بإهمال نظريات تربوية موروثة واستبدالها بنظريات تربوية مستعارة. بل لابد وأن يكون ذلك من خلال نظرية تستند إلى المفاهيم الإسلامية. إذا عُلم هذا فإنه يمكن القول بأن مواجهة النظريات التربوية الغربية لا يكون إلا بوجود نظرية تتفق مع شريعة الدين وعقيدته وقيمه.

وأيضًا كذلك نحن في حاجة إلى النظرية التربوية الإسلامية من أجل تأصيل العلوم النظرية والتطبيقية من النظريات الوضعية، التي تناقض جوهر العقيدة. ومعرفة الذات الحضارية الإسلامية، التي هي إحدى القضايا المهمة أمام التحديات التي تواجه العمل التربوي في الأمة الإسلامية. وتأكيداً للهوية الثقافية للأمة الإسلامية؛ لذا على الأمة الإسلامية أن تسعى إلى تأكيد هويتها المستقلة، بإعادة النظر في المفاهيم والنظريات، وتحليل الواقع ‏وفهمه جيدًا للوصول إلى أٌطر معرفية ومبادئ ونظريات صحيحة للتربية تكون مرجعاً لأنشطة العمل التربوي، ويُستنبط منه التربويون ما يتناسب مع المنهج الرباني.

إن الأمة الإسلامية في حاجة إلى نظرية تربوية إسلامية، تمكنها من مواجهة وحماية ثقافتها من التبعية الثقافية بأنواعها، التي لا تتناسب مع المنهج الرباني؛ لأن المدرسة النبوية علّمت المسلمين التأمل والتفكير وتزكية النفس، وعدم اتباع أي قول لا يستند على حجة واضحة، قال صلى الله عليه وسلم: ” لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا”. رواه الترمذي. فإذا صار المسلم على هذا النهج وعمل به، فلن يندرج تحت المظلة التبعية الثقافية وغيرها.

ومن دواعي الحاجة إلى نظرية تربوية إسلامية: توجيه العمليات التربوية وتقويمها وتفسيرها مما يساعد على تطوير العلوم والدراسات والافتخار بذلك. ذكرت الدكتورة بدرية الميمان بأن أهمية وجود النظرية: هو أسلوب عصري جيد، لعرض القضايا وقياس النظرية التربوية الإسلامية وغيرها من النظريات التربوية الأخرى، ووضعها في المكان التي تليق بها، وإننا الآن نعيش في عصر أمامه الغزو الثقافي والتربوي، فإذا لم نبنِ نظير ‏ما عندهم، يكون له تأثير سلبي لدى أجيالنا.

ومن المبررات المهمة التي تدعو إلى وجود نظرية تربوية إسلامية محاولة معرفة الماضي؛ للاستفادة منه في الوقت الحاضر، ومعرفة نقاط القوة والاعتماد عليها، ومعرفة نقاط الضعف والسعي في معالجتها؛ لبناء المستقبل بصورة صحيحة.

ونظرًا لتراكم المعرفة في النظرية تسعى النظرية التربوية الإسلامية إلى تحديد أوجه النقص في المعرفة، وبذلك تركز على الجوانب الأساسية وتقدمها في صيغة نظرية، تتناسب مع جوهر العقيدة، ‏لذلك فإن الحاجة ماسة لوجود النظرية التربوية الإسلامية؛ لأنه بدونها تصبح مسائل التطبيق والممارسات العملية مجرد تعميمات تجريبية، أو خطب استشارية، ومواهب بدون دليل علمي تجريبي.

ومما يدعو الحاجة إلى وجود نظرية تربوية إسلامية هو: إعادة بناء الفرد المسلم بما يحقق عبادة الله سبحانه وتعالى واستخلافه في الأرض. ذلك أن من أهم الأسس والركائز التي تستند عليها نظرية التربية الإسلامية هي بناء الشخصية، فالنظرية هدفها الأسمى هو بناء الإنسان الصالح وإعداده إعداداً بما ‏يحقق عبادة الله وعمارة الأرض.

ومن الدواعي لوجود النظرية التربوية الإسلامية هو: تسهيل المقارنة والمناظرة بين النظرية التربوية الإسلامية والنظريات التربوية الغربية. وعدم وجود نظرية تربوية إسلامية يُعد نقصًا في الدراسات المعاصرة.

ومما سبق يتضح لنا أنّ تقدم ورقي المجتمعات يقاس بما لديهم من علم ومعرفة؛ فالعلم هو مفتاح التطور والتقدم. والأمة الإسلامية لها تاريخ وحضارة شامخة منذ فجر الإسلام؛ لهذا تبرز أهمية الحاجة إلى نظرية تربوية إسلامية.

ومن هذا المنطلق تتأكد الحاجة إلى النظرية التربوية الإسلامية التي تبرز الهوية المتميزة للأمة الإسلامية بالمعنى الحضاري والفكري والثقافي، وتجمع في طياتها بين أصل تربوي مؤصلًا تأصيلًا إسلاميًا، وبين القضايا المعاصرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى