مقالات

“لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” بقلم : خالد عمر حشوان

جميعنا يعلم أن هذا الدعاء هو الذي دَعَا به “ذا النون” وهو سيدنا يونس عليه السلام (والنون هو الحوت) بعد أبق إلى الفلك المشحون أي هرب من مولاه إلى السفينة المملوءة بالركاب والأمتعة، حين غاضب قومه عندما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به، وفي عرض البحر تلاعبت الأمواج من كل جانب بالسفينة وأشرفوا على الغرق، فقال الملاحون: ثقل الحمل ولابد من التخفيف أو يغرق الجميع وطالبوا بالقرعة، وقال الله تعالى في ذلك ” فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ” (الصافات-141) أي قارع أهل السفينة فكان من المغلوبين، وقال ابن كثير أن القرعة وقعت على سيدنا يونس ثلاث مرات وهم يضنون به أن يُلقى من بينهم فتجرد من ثيابه ليلقي هو بنفسه وهم يأبون عليه ذلك، فالتقمه الحوت وهو مُلِيمٌ كما قال الله تعالى أي ابتلعه وهو مُكتسب اللوم، وهنا يظهر أثر هذه الدعوة العظيمة التي ألهمها الله عز وجل لنبيه الآبق يونس عليه السلام في قوله تعالى “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون” (الصافات 143/144) وهي صفة التسبيح التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنبياء في قوله “فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” (الاية-87) وهي محور المقال.

قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام عن هذه الدعوة “دعوةُ ذي النُّونِ إذْ دَعَا وهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبحانَك إنِّي كنتُ مِنَ الظَالِمِينَ، فإنَّه لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ لَه” (رواه الألباني-صحيح الترمذي)، وقد يغفل الكثير عن هذا الدعاء العظيم الذي كان رَحْمَة من الله لنبيه يونس خاصة وللمؤمنين عامة في النجاة من الكُرُبَات كما قال في كتابه “لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ” (القلم-49)، أما عمومها للمؤمنين فقد ذكرها الله تعالى في قوله: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ” (الأنبياء-88) وهي بشارة ووعد من الله لهم عند الوقوع في الشدائد والهموم، وقد نجى الله بها سيدنا يونس من الظُلمات الثلاث وهي ظُلمة الليل وظُلمة البحر وظُلمة بطن الحوت، وقيل الظُلمة الرابعة كانت ظُلمة الغَمْ التي ذكرها الله تعالى في الآية السابقة “وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ” بسبب اعترافه أولاً بوحدانية الله عز وجل وأنه لا معبود سواه، ثم اعترافه ثانياً بأنه ظلم نفسه حين سَمَحَ للغضب بأن يَتحَكَّم في تصرفه بالعجلة والضجر.  

 قال بعض أهل العلم أنه يمكن للمؤمن أن يفتتح بها الدعاء ثم يدعى بما شاء استدلالا بحديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أعلاه في النص ” لَمْ يَدعُ بِهَا رَجُلٌ مُسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ لَه”.

أمَّا التسبيح في هذا الدعاء فهو توحيد الله وتنزيهه من كل سوء ونقص والمتضمن لكل كمال إضافة إلى تضمنه معنى الاستغفار، ومعنى الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بالنقصان أو الزيادة أو بعدول في وقته أو مكانه ويكون على ثلاثة أوجه هي:-

الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله عز وجل وأعظمه الكفر والشرك وهو ظلم لا يغفره الله.

الثاني: ظلم بين الإنسان وبين الناس وهو ظلم لا يَدَعُه الله، لأنه ذنب عظيم ونهى الله عنه وأوجب القصاص فيه.

الثالث: ظلم الإنسان لنفسه وهو ظلم يغفره الله كظلم سيدنا يونس لنفسه بسبب الغضب الزائد.

وأختم بنصيحة لنفسي قبل القارئ الكريم وهي على كل مسلم أن يكثر من اللجوء إلى ربه ولا ييأس من رحمته ولا يفقد الأمل في حل الأزمات والمشكلات، كما قال سيدنا يعقوب عليه السلام لبنيه في سورة يوسف “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (الآية-87)، وذلك بالدعاء والتقرب إلى الله الذي يخلصه بفضل الله من الهموم والأحزان ويفرج الكرب ناهيك عن الشعور بالراحة والطمأنينة والسعادة والفرح والاتكال واللجوء إلى الخالق الرحيم بعباده، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام “إنَّ الله حيِىُّ كَرِيمٌ يَسْتَحي إذَا رَفعَ الرجُل إليْهِ يَدَيْه أنْ يَردَّهُمَا صِفراً خَائبتينِ” (رواه الألباني-صحيح الترمذي).  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى