مقالات

“مبدأ الملائمة” بقلم : د. أحمد بن صالح البرواني أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية البريمي الجامعية

مبدأ الملائمة

يسرني أن ألتقى بكم في مجددًا في صحيفتنا الرائعة بمحتوياتها وبالقائمين عليها وبأصحاب المقالات الجميلة وبمتابعيها والذين هم أساس النجاح والتفوق.
حديثنا اليوم عن مبدأ الملائمة وهو مبدأ جميل ورائع يجد أساسه في شريعتنا الغراء والتي احتوت الكثير والكثير من المعاني الإنسانية الجميله.، ولعل أوضح الأمثلة فيها حضانة الصغير والتي هي مقررة لمصلحة الصغير وبالتالي يتوجب على القاضي أن يبحث عن مصلحة الصغير وان يحكم بالحضانة وفقا لما تمليه تلك المصلحة.
وقاعدة لا ضرر ولا ضرار والتي تنظوي تحت لوائها العديد من المبادئ الجميلة مثل الضرر الأشد يدفع بالضرر الأقل والضرر العام يدفع بالضرر الخاص. وتوجد قاعدة فقهيه تقضي بأنه ما لا يدرك كله لا يترك كله.
وجاءت أحكام القانون الوضعي بجميع فروعه مراعية لهذا المبدأ ففي القانون الإداري نجد أن مبدأ مشروعية القرار يجب أن يحقق مبدأ الملائمة فلو افترضنا أن إدارة عامة بمحافظة ظفار تحتاج لموظف لديه مهارات معينة وكان لدى الوزارة عدة موظفين، فلا بد من إعمال مبدأ الملائمة في ذلك، وفي القانون المدني توجد العديد من التطبيقات منها أنه يجب أن ينهى عقد الإيجار إذا قضت تعليمات الجهات المعنية بضرورة هدم البناء، وفي القانون الجنائي أيضا نجد العديد من التطبيقات لهذا المبدأ ولا أدل على ذلك من أن المشرع أقر مبدأ تفريد العقاب ليتمكن من توقيع العقاب المناسب للجاني، ومن الأمثلة التي تضرب في هذا الجانب، إن وجد مجنون في بلدة معينة فهل يجب على الحكومة أن تمنع بيع وتملك السكاكين في هذه البلده خوفا من وقوع احد تلك السكاكين في يد المجنون فيقوم بتهديد الناس أو ارتكاب جريمة بها، مع ما يترتب على ذلك من حرمان أهل البلدة من الاستفادة بالسكين لاحتياجاتهم اليومية لها كتقطيع اللحم ونحوه، ام هل يجب عليها السماح ببيع وتملك السكاكين مع فرض واجب عدم بيعها للمجنون وواجب الحيطة من وقوع أي سكين بيده.
ولعل سلاح الكلمة هو أول سلاح يجب أن يطبق عليه مبدأ الملائمة فبعض البشر ممن تعلموا لا يلقون بالا لهذا المبدأ ولعل حديث الناس الآن عن إغلاق المساجد قد يجانب في بعض جوانبه هذا المبدأ، وهناك الكثير مما يجب التنبه له، فهل الأولى أن تغلق الجوامع والمساجد حفاظا على الصحة العامة أو أن تفتح حفاظا على إقامة الصلاة فيها وهل تغلق جميع الجوامع والمساجد أم نفتح بعضها وخاصة التي على الطرق العامة، وهل تفتح هذه المساجد بشكل كامل ام تفتح بعض مكوناتها كالصرح الخارجي ومكان معين للوضوء، وسنجد من خلال ذلك أن إعمال مبدأ الملائمة يحقق التوازن بين مختلف المصالح المتعارضة.
ولعل الأهم من ذلك ما يعرف بالفتيا فبعض أهل العلم سواء العلم الشرعي أو القانوني أو الطبي ربما لم ينتبهوا لهذا المبدأ
فنجد الأخذ بالحكم دون الإلتفات إلى نتائجه مع ما يوجد على هذا الحكم من استثناءات أو مع يوجب للقول بهذا الحكم من اشتراطات معينه.
ومن الوقائع التي اطلعت عليها أن إحدى الزوجات تحدثت لمستشار عن أن زوجها يسكر دائما فنصحها بطلب الطلاق للضرر وطلب النفقات اللازمه، ففعلت ما نصحها به، فوجدت نفسها وأطفالها بدون عائل لهم ولم تستطع الإجابه على سؤال أطفالها أين أبي، وهو وجد فراغ لم يستطع سده إلا بصحبة رفاق السوء، ولم تجد جهات التنفيذ لديه مالا يسد نفقات أسرته، فما يكسبه من مال يصرفه على السكر، وهكذا ضاعت أسرة بأكملها، كانت تعاني من سكر العائل فأصبحت معاناتها أشد، بعدم وجوده وعدم وجود ما تنفقه ليسد احتياجاتها.

ونجد أن بعض الجهات المكلفة بدراسة بعض الأمور العامة في الدوله تستهل الحلول السريعه دون التفكير في عواقب الأمور وفي مدى الإضرار بالمواطن والمقيم ومدى انعكاس ذلك على الإنتماء والولاء للوطن ولسلطانه ولمقدراته وانعكاس على مصلحة الوطن، وبالتالي فإن بعض الحلول الغير ملائمة ستخلق الكثير من السلبيات التي يتطلب مواجهتها أو الحد منها وقتا وجهدا ومالا وفكرا أكثر بكثير مما اوجده الحل السريع من مزايا.

إننا جميعا مطالبين ببذل أقصى قدر من الجهد والبذل والتضحية لديننا ولوطننا ولسلطاننا ولجميع من يقيم على هذه الأرض الطيبه ولجميع مقدرات هذا الوطن المعطاء ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم والمعرفة والإخلاص.. َ

نرجوا من الله العلي القدير أن يغفر لولدانا وسلطاننا قابوس ابن سعيد الذي سيمر علينا يوم الثامن عشر من نوفمبر دون حضوره السامي المميز ودون أداء حرس الشرف التحية العسكرية لجلالته، فهو قد أدى تحيته العسكرية الأخيرة في احتفالات العيد الوطني ال ٤٩.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى