مقالات

“التفكك الأسري وآثاره على المجتمع” بقلم: خالد عمر حشوان

التفكك الأسري أو ما يسميه البعض التصدع الأسري هو عبارة عن خلل واضح في وظائف الأسرة نتيجة إما خلافات أسرية أو انفصال أو موت أحد الوالدين أو تخلي أحدهما أو كلاهما عن دوره الأساسي مما يؤثر سلبًا على الدور التربوي للأسرة والتنشئة الاجتماعية وشخصية أفراد الأسرة ويسبب خللاً في سلوك وتوجيه أفرادها فتصبح بيئة خصبة للنزاع وسوء السلوك وإهمال الأطفال والمراهقين وسوء معاملتهم ونقص في احتياجاتهم وتربيتهم وتعليمهم.

وهناك نوعان من التفكك الأسري هما: –
أولاً: التفكك النفسي (غير المباشر): – ويسمى بالتفكك المعنوي وهو وجود الوالدين معًا جسديًا فقط بخلافات مستمرة يقل معها احترام أفراد الأسرة لبعضهم البعض وعدم شعورهم بالإنتماء واضطراب في العلاقات الأسرية وقد يؤدي سوء تفاهم الوالدين إلى اهتزاز شخصية الأبناء وسوء تحصيلهم الدراسي وتدهور صحتهم في بعض الحالات وإلى انحراف الأسرة وتدهورها.

ثانيًا: التفكك البنائي (المباشر): – ويسمى بالتفكك المادي الذي ينشأ عن الطلاق أو موت أحد الوالدين أو الهجر المتقطع أو الانشغال عن الأسرة (الأب الحاضر الغائب أو الأم) بأمور أخرى تقودها للتفكك وعدم البناء بالشكل الطبيعي والمعتاد.

مراحل التفكك الأسري: – تشير الدراسات الاجتماعية إلى وجود عدة مراحل مهمة تؤدي للتفكك الأسري بالتدريج ونختصرها فيما يلي:-

1-مرحلة الكمون: هي مرحلة ملاحظة المشكلات والنقد المتبادل دون النقاش أو التعامل معها بجدية وواقعية من الوالدين.
2-مرحلة الإستشارة: وهي مرحلة ارتباك أحد الزوجين أو كلاهما وإحساسه بعدم الاستقرار والقناعة بالإشباع الأسري الذي يحصل عليه داخل الأسرة.
3-مرحلة الصدام: وتسمى مرحلة الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة والمكبوتة لفترة طويلة ويظهر فيها الصراع على السطح والصدام المباشر.
4-مرحلة إنتشار النزاع: وتأتي بعد مرحلة الصدام بالرغبة في الانتقام مما يزيد العداء والخصومة بين الوالدين والنقد المتبادل وتحميل كل طرف الآخر مسؤولية النزاع والرغبة في الإنتصار على الآخر وعدم الصلح وزيادة السلوك السلبي بينهما.

5-مرحلة البحث عن حلفاء: وهي بحث كل طرف عن مؤيدين له من الأهل والأقارب مما يهدد القيم والمعايير الأسرية وقد يكون هناك مصادر أخرى للحلفاء مثل التركيز على الأطفال أو النجاح في العمل على حساب استقرار الأسرة وبنائها.

6-مرحلة إنهاء الزواج: هي مرحلة الانفصال الحقيقي (الطلاق) وعدم التفكير في العودة للأسرة وتبدأ معها فترة التقاضي التي غالبًا ما يكون ضحيتها الأطفال خاصة في سن الحضانة أو المراهقين في سن عدم التوازن.

أثآر التفكك الأسري على الأطفال والمراهقين:
أثبتت الدراسات المختلفة أن أغلب الأطفال الذين انفصل والديهم (وليس الكل) يظهر لديهم ميل شديد للغضب والضيق النفسي والرغبة في الانطواء وهم أقل حساسية للقبول الاجتماعي وأقل ضبطًا للنفس ولديهم تأخر في التعليم والتحصيل الدراسي وشرود ذهني واضح وعدم الثقة بالنفس وتمرد على القيم الموجودة في المجتمع.

أما المراهقين في الأسر المفككة يعانون من مشاكل عاطفية وسلوكية وصحية واجتماعية أكثر من غيرهم وعدم إكمال تعليمهم بسبب سوء التكيف وقد يكون لديهم عدم الثقة مستقبلاً في تكوين أسر بسب معاناة التفكك الذي عاصروه.

آثار التفكك الأسري على المجتمع:
الأسرة هي لبنة مهمة في أساس المجتمع والتفكك الأسري يسبب خللاً في معظم القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات الأفراد مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة والتضحية والإحساس بالمسؤولية ومساعدة المحتاجين وبر الوالدين وتكوين أسر مستقبلية ناجحة، لذلك فالتفكك الأسري يسبب تفشي الانحراف الاجتماعي والتخلف الدراسي والتفكك النفسي للفرد والمجتمع وتخريج جيل مضطرب نفسيا لا يخدم مرحلة البناء المستقبلية وإنتشار الإدمان.

وأختم بأن التفكك الأسري يؤدي إلى انهيار الأسرة وانحلال المجتمع وزيادة حالات الطلاق والعنف الأسري وتشرد الأطفال والمراهقين وسوء تحصيلهم الدراسي مما يترك آثارا سلبية على الفرد والمجتمع، لذلك تم تصنيفه في بعض الدول من أكبر وأخطر المشاكل الاجتماعية وتم إنشاء مراكز وجمعيات إصلاح ذات البين لمحاولة التخفيف والقضاء على آثار التفكك كما قال الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم ” أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ . قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ . لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ ” الراوي أبو الدرداء – أخرجه أبو داود.

ومعنى الحالقة: أي القاطعة والمنهية التي تأتي على كل شيء وتحلقه وتقطعه من جذوره سواءً من أمور الدين أو الدنيا.



اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى