مقالات

إيقاف الخدمات بقلم د. أحمد البرواني استاذ القانون الجزائي المساعد بجامعة الشرقيه

مع النمو المضطرد في شتى مناحي الحياة نما وازداد احتياج الناس والمؤسسات إلى خدمات معينة تتناسب مع التطور والرقي الذي يشهده العالم، ومع الضرورة الماسة لتلك الخدمات، والتي تختلف من مكان لآخر ومن وقت لآخر.
ويعتبر توافر بعض الخدمات كالتعليم والصحة والكهرباء والماء والانترنت من مقاييس تحضر الدول والشعوب.
وكأي علم إنساني تتعدد مفاهيم الخدمات، وارجو ان أكون قد وفقت اذا اخترت لها التعريف التالي: الخدمات هي أنشطة أو إجراءات تقوم بها جهة حكومية أو من ينوب عنها لتقديم منفعة معينة لتلبية حاجة المتعاملين واشباع رغبتهم عبر قنوات تقديم الخدمات المختلفة دون تحقيق مكاسب مادية ملموسة لهم وتسهم هذه المنفعة في توفير مستلزمات الحياة وخاصة المستلزمات الاساسية كالصحة والتعليم.

ونظرا لأهمية الخدمات في حياة الشعوب، فإن الدول تسعى لتوفيرها مهما كلفتها هذه الخدمات من مبالغ وجهود، ولعل الجميع يشهد بما تبذله الحكومة الرشيدة من توفير الخدمات التعليمية والصحيه، وبناء الطرق وتشييد الإنفاق والجسور، وبناء شبكات الكهرباء وشبكات المياه وشبكات الهواتف ومستلزماتها، وتوفير مختلف الخدمات الأخرى.

وبالرغم من الأهمية الكبرى لهذه الخدمات الا ان هناك ما يستدعي إيقاف هذه الخدمات عن بعض الأشخاص سواء أكانوا بشرا عاديين ام مؤسسات حكومية أو خاصة، فالطالب الذي لا يجتهد ويخفق في الحصول على نتيجة معينه قد يحرم من مواصلة الدراسة، والشخص الذي يمتنع عن دفع ما عليه من التزامات تجاه مقدم الخدمه سيتم إيقافها عنه.
وهو ما يوجب أن يكون هناك تنظيم قانوني يحدد بشكل دقيق ما هي الجهات التي يمكنها اصدار قرار إيقاف الخدمة وما هي الإجراءات التي يتوجب عليها اتباعها قبل اصدار قرار إيقاف الخدمة وما هي الأوقات التي يمكن أن يتم إيقاف الخدمات فيها، فمثلا الطالب الذي لم يحصل على الدرجات المطلوب منها تحقيقها لمواصلة الدراسة يجب أن تكون هناك رؤية واضحه محددة لإيقاف تقديم خدمة التعليم له، ولعل من المناسب ان تكون هناك لجنة تدرس ظروفه البيئية والمعيشيه قبل اصدار قرار فصله من المؤسسة التعليمية.
وهناك من الخدمات لا يجوز إيقافها الا بتوافر أسباب خاصة تفوق الضرر المتوقع من إيقافها فمثلا يتطلب قانون المرور ان يحصل سائق اي مركبة على رخصة قيادة تمكنه من قيادتها، وهذه الرخصة قد تنتهي ويتطلب عليه القيام بتجديدها، وهنا يجب تحديد الجهة التي يحق لها إيقاف تجديدها وما هي الحالات التي يحق لها أن تمتنع فيها عن تجديدها مع ضرورة مراعاة التناسب بين المنافع والمضار، فمثلا اذا كان على السائق مخالفات مرورية فلا يجب أن تعطى جهة الإداره الحق في رفض تجديد الرخصة خاصة إذا كانت المخالفات بسيطه والمبالغ المطلوب دفعها في حدود معينة، لأن عدم تجديد الرخصة سيتسبب بأن يقود المركبة برخصة منتهية ولو تسبب هذا الشخص في حادث مروري ستمتنع شركة التأمين عن جبر الأضرار الناتجة عن الحادث وخاصة في حالة وفاته إذ لا يمكن تجديد رخصته لوفاته، وهنا ستكون هناك نتائج سلبيه وخاصة على المتضرر من الحادث، وهذا الأمر يمكن تلافيه إقرار إجراءات أخرى لإجباره على دفع قيمة المخالفات، ويلاحظ ان منع تجديد رخصة تسيير المركبه قد لا يشكل هذا الخطر لأن المركبة يتم تأمينها وبالتالي التأمين يتحمل جبر الضرر الواقع عن الحادث بغض النظر عن تجديد رخصة تسيير المركبة أو عدم تجديدها.
ولو جئنا إلى مسألة توقيت إيقاف الخدمات سنجد ان بعض الجهات تقطع الخدمة عن المتعاملين معها في أوقات صعبه وربما لم تراعي اوقات المناسبات الدينيه الوطنيه إذ في هذه الأوقات لا تنفذ أحكام أشد أهمية من قطع الخدمة مثل عقوبات الإعدام احتراما واجلالا لهذه المناسبات بينما نجد ان بعض مقدمي الخدمات لا يلقون بالا لهذه المناسبات وتقوم بقطع الخدمة عن المتلقين لها، وقد يتم قطع الخدمات في آخر وقت الدوام وبالتالي يجب على متلقى الخدمة الانتظار حتى بدء الدوام لكي يقدر ان يستعيد الخدمة المقطوعة عنه، ولو تصادف عطلة نهاية الأسبوع أو اجازة لمناسبة معينه فالمعاناة بلا شك ستكون أكبر وتأثيرها سيكون أشد، فمن تقطع عنه خدمة الكهرباء مثلا نهاية دوام يوم الخميس سينتظر قدوم الأحد وستحرم عائلته من الكهرباء لمدة طويله والله أعلم بمن في بيته من مرضى وما هي الأغراض التي تحتاج للتبريد حتى لا تفسد.
اننا ومع اهتمام الحكومة الرشيدة بتوفير الحياة السعيدة لجميع المقيمين على هذه الأرض الطبيه، ومع توجه الحكومة الرشيدة لتنفيذ رؤية عمان 2040، فإننا نرجو ان يتم اصدار قانون يحدد كل ما يتعلق بإيقاف الخدمة واعادتها وتنظيمها بشكل يحقق لمتلقي الخدمة ضمان استمراريتها وايضا تقدير بعض الظروف التي يمر بها، ويحمى مقدمي الخدمة ويضمن لهم الحصول على مستحقاتهم من متلقي الخدمة، وايضا مراعاة عدم تحميل الأمور فوق نصابها فمثلا قطع الخدمة واعادتها قد تكلف مبلغ معين وبالتالي فلا يجوز أن يتم إلزام متلقي الخدمة بدفع مبلغ يفوق ما صرفته الجهة لقطع الخدمة وإعادتها، تماشيا مع القواعد المقررة قانونا ومنها منع الأثراء بلا سبب مشروع.

حفظ الله سلطنتنا الغاليه وسلطانها المفدى وأمده بالصحة والعافية والعمر المديد ورزقه البطانة الصالحة، وغفر لأعز الرجال وأنقاهم ولموتانا وموتى المسلمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى