“شروط قبول الأشكال في التنفيذ” بقلم : د. مصطفى راتب أستاذ القانون المدني المساعد كلية البريمي الجامعيه
يقسم الفقه منازعات التنفيذ إلى منازعات موضوعية ومنازعات وقتية:
-المنازعـات الموضوعيـة: هي التي يطلب فيها حسم موضوع المنازعة كالحكم بصحة التنفيذ أو الحكـم ببطلانه ومن أمثلتها دعوى استرداد المنقولات المحجوزة ودعوى الاسـتحقاق الفرعية ودعوى رفع الحجز إذا كان واقعًا على مـال المديـن لـدى الغـير والتظلم من أمر الحجز.
-والمنازعات الوقتية: فهي التي يطلب فيها الحكـم بإجراء وقتي حتى يفصل في موضوع المنازعة كالحكم بالاستمرار في التنفيذ حتى يحكم بصحته أو يحكم بوقف التنفيذ حتى يحكم ببطلانه ويطلق على هذه المنازعات الوقتية تعبير إشكالات التنفيذ وهي تتميز بأنه يترتب على مجـرد رفعها وقف التنفيذ مؤقتا بينما لا يترتب على رفع المنازعـات الموضوعيـة وقف التنفيذ بل لا بد من صدور حكم فيها لصالح رافعـها وذلـك باسـتثناء دعوى استرداد المنقولات المحجوزة الأولى فرغم أنها منازعة موضوعية في التنفيذ إلا أنها يترتب على مجرد رفعها وقف التنفيذ.
شروط قبول الإشكال في التنفيذ:
– أولاً: أن يكون المطلوب إجراء وقتيًا لا يمس أصل الحق، فينبغي أن يكون المطلوب في الإشكال مجرد إجراء وقتي أو تحفظي لا يمس موضوع الحقوق المتنازع عليها، بأن يقصد رافعه وقف التنفيـذ او الاستمرار فيه مؤقتًا دون مساس بأصل الحق ومن أمثلة ذلك أن يطلب المنفـذ ضده وقف التنفيذ مؤقتًا على أساس أن الحكم غير جائز تنفيذه أو أن يطلـب الدائن الاستمرار في تنفيذ الحكم الذي رأى المحضر عدم الاستمرار نظـراً لخلو الحكم من الإشارة إلى النفاذ المعجل رغم أن الحكـم مشـمول بالنفـاذ المعجل بقوة القانون.
ولا يقبل الإشكال الذي يرفع بطلب موضوعي، ومثـال ذلـك أن يطلب المستشكل الحكم بعدم جواز التنفيذ، أو ببراءة ذمته مـن الديـن، أو ببطلان إجراءات التنفيذ أو سقوط حق الدائن في التنفيذ أو بانقضائه وغـير ذلك من الطلبات الموضوعية.
كذلك يجب الا يكون بحث الإشكال أو الحكم فيه يقتضـى او يـؤدي المساس بأصل الحق الموضوعي الذي يجرى التنفيذ لاقتضائه أو الحـق في التنفيذ، ومن أمثلة ذلك أن يطلب المدين وقف التنفيذ لبراءة ذمتـه مـن الدين ففي هذه الحالة لا يستطيع قاضي التنفيذ الفصل في الطلب إلا إذا قضى ببراءة دمه المدين وهو قضاء موضوعي يتعلق بالحق الذي يجـرى التنفيـذ لاقتضائه مما يمتنع على قاضي التنفيذ بوصفه قاضيًا للأمور المستعجلة ومن ذلك أيضًا أن يطلب المدين وقف التنفيذ لوقوع الحجز على مـال، لا يجـوز الحجز عليه فإن الإشكال في هذه الحالة يكون غير مقبول لأنه يمـس حـق الدائن في التنفيذ.
ويجوز لقاضي التنفيذ تحوير الطلبات ليستخلص من الطلب الموضوعي طلبًا مستعجلاً يختص به ومثال ذلك أن يرفع إشـكال بطلـب براءة ذمة المدين وإلغاء الحجز تبعًا لذلك، فيستخلص منـه القـاضي طلبـًا مؤقتًا بوقف التنفيذ ويحكم بذلك بوصفه قاضيا مستعجلاً.
ويلاحظ أنه إذا كان الإشكال مرفوعًا بطلب موضوعي أو كان بحثـه أو الحكم فيه يقتضي أو يؤدي إلى المساس بأصل الحق وكان هـذا الطلـب الموضوعي متعلقًا بالتنفيذ أو بالحق في التنفيذ كطلب بطلان التنفيذ أو بعـدم أحقية الدائن في التنفيذ أو أن المال الذي يجرى التنفيذ عليه من الأموال التي لا يجوز أن تكون محلا للتنفيذ ، فإن القاضي لا ينظر في هـذا الإشـكال بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بل بصفته قاضي الموضـوع فيمـا يتعلـق بمنازعات التنفيذ وعلة ذلك أن قاضي التنفيذ يختص بجميع منازعات التنفيـذ المستعجلة والموضوعية ولذلك إذا رفع إليه طلب موضوعي على أنه إشـكال وقتي فإنه لا يحكم بعدم اختصاصه بل يحدد جلسة للنظـر فيـه باعتبارهـا منازعة موضوعية متعلقة بالتنفيذ، أما إذا كان الطلـب الموضوعي غـير متعلق بالتنفيذ أو الحق في التنفيذ بل كان متعلقا بـالحق الموضوعي الـذي يجرى التنفيذ لاقتضائه كما لو أدعى المستشكل أن الدين المطلوب منـه قـد انقضى بالتقادم أو بالمقاصة أو بالوفاء، فإن هذا الطلب يخرج من اختصاص قاضي التنفيذ وتختص به محكمة الموضوع أي المحكمة المدنيـة والتجاريـة لان اختصاص قاضي التنفيذ بالمسائل الموضوعية يقتصر على المنازعـات التنفيذية فقط، وينبغي على قاضي التنفيذ أن يحكم في هـذه الحالـة بعـدم الاختصاص والإحالة إلى المحكمة المختصة.
– ثانيًا الاستعجال، لم ينص القانون على ضـرورة توافـر شرط الاستعجال في إشكالات التنفيذ، ولكن مـن المتفـق عليـه ان شـرط الاستعجال مفترض في هذه الإشكالات ولا حاجة إلى إثباته ، إذ أن إشـكالات التنفيذ مستعجلة بطبيعتها، فهنى ترمـى دائمـا إلـى رفـع خطـر مـحـدق بالمستشكل، ويتمثل هذا الخطر المحدق في التنفيذ عليه إذا كان المستشكل هو المنفذ ضده أو تعطيل مصلحته في إجراء التنفيذ بموجب السند التنفيذي الـذي في يده إذا كان المستشكل هو طالب التنفيـذ، ولذلـك رأي المشـرع إعفـاء المستشكل من إثبات شرط الاستعجال باعتباره متحققا بغـير إثبـات، فـلا يحتاج المستشكل إلى إثبات شرط الاستعجال ولا يطلب قاضي التنفيـذ منـه ذلك لأن هذا الشرط مفترض بحكم القانون في إشكالات التنفيذ فعلى الرغـم من أن الاستعجال شرط لازم في الإشكال، إلا أنه كما قيل بحق – شـرط سلبي وهو شرط مفترض كما ذكرنا أنفا.
– ثالثًا: يجب رفع الإشكال قبل أن يتم التنفيذ: لأن الـهدف من الإشكال هو وقف التنفيذ مؤقتًا أو الاستمرار فيه مؤقتًا، فإذا كان التنفيذ قد تم فإنه لا معنى لطلب وقفه ولا معنى أيضًا لطلب استمراره، وإنمـا يجـوز طلب إبطال ما تم من إجراءات وهذا الطلب يعتبر منازعة موضوعيـة فـي التنفيذ ولا يعتبر إشكالاً.
– رابعًا: رجحان وجود الحق: يعتبر رجحان وجـود الحـق شرطًا أساسيًا لإسباغ الحماية الوقتية، فإذا تخلف هذا الشرط فإنـه لا يجـوز الحكم بهذه الحماية، ويتقيد قاضي التنفيذ بهذا الشرط كما يتقيد بـه قـاضي الأمور المستعجلة تمامًا، اذ أن قاضي التنفيذ يفصل في الإشكالات باعتبـاره قاضيًا للأمور المستعجلة وهو يستدل على رجحـان وجود الحق من ظاهر المستندات دون التعمق في بحثها بحيث لا يمس أصـل الحق، فله أن يوقف التنفيذ حتى ولو رجح بطلانه من ظاهر المستندات.
– خامسًا: يجب أن يكون الإشكال مؤسسًا على وقائع لاحقـة للحكم المستشكل فيه، إذ لا يجوز أن يؤسس الإشكال على وقائع سابقة على الحكم المستشكل فيه، لأن هذه الوقائع كان من الواجب ابدائها أمام المحكمـة التي أصدرت الحكم المستشكل فيه ، وتطبيقًا لذلك إذا أسس المدين المستشـكل إشكاله على أنه أوفي بالدين قبل صدور حكم المديونيـة، فـإن مثـل هـذا الإشكال لا يقبل منه لأنه كان من واجبه أن يتمسك بهذا الوفاء أمام المحكمـة التي أصدرت ذلك الحكم ، ولكنه إذا أدعي أنه قام بوفاء الدين بعـد صـدور الحكم فإن هذا الادعاء يصلح أساسًا للإشكال لأن واقعة الوفاء لاحقـة علـى صدور الحكم.
– سادسًا: يجب ألا يتضمن الإشـكـال طـعنًـا علـى الحـكـم المستشكل في تنفيذه، فلا ينبغي أن يؤسس الإشكال على تخطئـة الحـكـم، ومثال ذلك أن يطلب المستشكل وقف تنفيذ الحكم بحجـة أن المحكمـة قـد أخطأت في تطبيق القانون أو أنها كانت غير مختصة، فمثل هذه الإشـكالات لا تقبل لأن الإشكال ليس طريقًا من طرق الطعن في الأحكام، كما أن قاضى التنفيذ ليس جهة طعن، وما يعتري الحكم من عيوب لا يكون أمام ذي الشأن حيالها إلا أن يطعن على الحكم بطريق من طرق الطعن المختلفة.