“مراحل خلق الإنسان وبر الوالدين” بقلم: خالد عمر حشوان
إن المراحل التي بها خلق الله الإنسان، هي ثلاثة مراحل، فصلها الله لنا في كتابه الكريم في قوله تعالى: ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير “الروم (54).
وهذا التفصيل الواضح والمنظم جعلني أفكر في ربط هذه المراحل ببر الوالدين وسوف أوضح وجهة نظري في كيفية الربط بينهما بطريقة واضحة وميسرة بإذن الله ونبدأ بكل مرحلة على حدة:
أولاً: المرحلة الأولى (خلقكم من ضعف):
وتبدأ هذه المرحلة من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم كسو العظام لحمًا، ثم الخلق الآخر الذي يولد عليه الإنسان وتبدأ مرحلة الوالدين في التربية والعناية والاهتمام بهذا المخلوق الضعيف لسنوات حتى يبدأ الاعتماد على نفسه بالتدريج ويصبح قادرًا على إعالة نفسه وسميت ضعف لأن الإنسان في هذه المرحلة ضعيف ويحتاج من يساعده ويقوم بكل شؤونه واحتياجاته الشخصية وفي الغالب يكون الوالدان هما من يقومان بهذه المهمة الجبارة، قال تعالى: ” وخلق الإنسان ضعيفا ” (النساء 28).
ثانيًا: المرحلة الثانية (ثم جعل من بعد ضعف قوة):
هنا بحثت في معنى كلمة قوة ووجدت أنها مرحلة الشباب بعد ضعف الطفولة والتي تبدأ فيها مرحلة العمل والعطاء والحماس وتكوين الذات، وفي هذه المرحلة ينتظر الوالدان من هذا الطفل الذي أصبح شابا يافعا مكتمل الرجولة بعد الضعف الذي كان عليه، أن يقف مع والديه ويهتم بهما ويبادر ببرهما خاصة لو كانوا كبارا في السن، لما قدموه له في فترة ضعفه التي لخصناها في المرحلة الأولى وهو ما نسميه نحن في الإسلام ببر الوالدين والعناية بهما دوما وخاصة في آخر العمر.
ثالثًا: المرحلة الثالثة (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة):
هذه المرحلة أبهرتني بحكمة الله تعالى العجيبة فيها بتحويل هذه القوة إلى ضعف وهي مرحلة تمر بها جميع الأجيال، فالابن فيها يصبح أب ثم يصبح جد، وهكذا تتابع المراحل بتتابع الزمن، وفيها لابد للإنسان أن يعلم أنه كما تدين تدان، وهذا الدين لابد من أدائه وتتوارثه الأجيال، فكلما كنت بارا بوالديك، برك أبناؤك بإذن الله، وكما كنت في مرحلة الضعف وكان والداك يقومان بتربيتك والاهتمام بك، لابد أن تقوم أنت بنفس الدور عندما يبلغان الكبر أحدهما أو كلاهما (مرحلة ضعفهما) مع العلم أنه لا يمكن مجازاتهما على ذلك ، وهنا تذكرت قصة الرجل الذي جاء إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له : ” إن لي أما بلغ بها الكبر وإنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري مطية لها، وأوضئها وأصرف وجهي عنها ، فهل أديت حقها ؟ فقال عمر: لا ، قال الرجل : أليس قد حملتها على ظهري ، وحبست نفسي عليها ؟ قال عمر : إنها كانت تصنع ذلك بك وهي تتمنى بقاءك ، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها ، ولكنك محسن “.
لذا إذا كنت ترغب في أن يبرك أبناؤك، لابد أن تبر والديك وتهتم بهما خاصة في مرحلة الكبر التي يحتاجونك فيها، ولا يقتصر بر الوالدين على حياتهما فقط بل يمكن أن يستمر حتى بعد مماتهما بالدعاء لهما وصلة أقاربهما وأرحامهما والتصدق لهما وزيارة قريتهما والإحسان إلى أصدقائهما والمحافظة على سيرتهما الطيبة وسمعتهما بين الخلق حتى بعد الممات.
وأختم بقول الشاعر مجدي العوضي:
يا رب تحفظ والـدي كلاهـما وأجعل لهم من حوض طه موردا
وأكتب لهم حسن الختام لأنه باب الــعبور إلى الــنعيم الخـــالدا