أدبياتمقالات

“فقيد رمضان” بقلم: بندر الشهري

دخل شهر رمضان هذا العام وفيه الفرح والسرور، وفيه الطيب والخير، شهر تصدح فيه المساجد بالصلوات وتلاوة القرآن، وتسمع بكي المصلين في الأسحار يطلبون من الغفّار أن يدخلهم الجنان، تعلو النفوس بحلاوة الايمان، شهر تصفد فيه الشياطين…

ولكن رمضان هذا العام أرجعني إلى زمن الطفولة والصبّابة، أرجعني إلى أكثر من أربعين عام، قصص تُروى وليالٍ في الخيال تُرى، أتذكر عندما كنت طفلاً صغيراً أذهب مع أبي للسوق والقلب مشتاق وأمشي بجانب أبي وكأنني فوق البرايا أختال – أشتري ما لذ وطاب وإن غلا سعره في الشراء، أذهب معه للصلاة ثم أجلس بجانبه والمصحف بين يديه، يقرأ كتاب ربه ويمضي الوقت طويلاً ولست أدري أمن جمال صوته كما تسمع أذني أم من راحة حنانه علي.

ثم قبل أذان المغرب كان يقول لي اذهب لتخبرنا بصوت المدفع وأنا أنتظر هناك، فإذا سمعت صوت المدفع انطلقت إلى أبي وأطير كما تطير الحمامة إلى عشها لأنها أيقنت أنه لا يوجد أمان غير حضن الأب، وإذا أفطرنا كان يعلمنا آداب الدعاء وقت الإفطار، ثم نذهب إلى المسجد فكان حريصاً علينا في آداء الصلوات في وقتها، ثم نرجع بعد صلاة المغرب ونكمل فطورنا ونحن أمام التلفاز نشاهد برنامج (( على مائدة الإفطار )) بعدها يأخذني أنا وإخواني إلى صلاة العشاء والتراويح وكنت أتعب في صلاتي ولكن أبي كان يقول لي اصبر يا بني فالأجر لك مضاعف، هذا حالي دائماً في رمضان مع أبي وأنا صغير….

ولكن رمضان هذا العام صار لي ألم وجرح ثانياً لا يوقف نزفه، رحل من كان يوماً لي سنداً وحصناً منيعاً،رحل أبي عن هذه الدنيا وكأنه تركني وحيداً في بلدة خالية من الحياة البشرية، اليوم بفقد أبي أمشي مشي الذليل المَهين، ولا أجد في حياتي معين رحل عني دون أن يكون هناك وداع، رحل بصمت بعد أن عانى كثيراً في مرضه، تذكرت تلك السنون الماضية كيف كنت وكيف صرت الآن، أتذكر حبه لي، أتذكر كم كان يمسح دمعي وكم كان يساعدني في وقت لا أجد فيه أحداً غير أبي، رحل بصمت ونامت جفون أبي في قبرها للأبد، ولكن ورب الفلق أنّ حبه وروحه سيبقيان في قلبي للأبد، واليوم وشيب رأسي غزا مفرقي ما زلت أحن لأبي وأحن لغرفته، وسجادته، وعطره…

ولكن أيدري رمضان من فقد! أيدري التراب من ضمه! أيدري القبر من فيه! إنني ورب العباد بالفؤاد أفديه وعند ربي أدعو له أن يرضيه…

وداعاً يا من موته أتعبني وفراقه أرهقني، وداعاً يا أبي وجنات الخلد هي دارك ومرقدك، رحمك الله يا أبي، رحمك الله يا أبي رحمك الله يا أبي…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى