فتح مكة (الفتح الأعظم) بقلم : خالد عمر حشوان
فتح مكة ويسمى أيضا الفتح الأعظم وهي الغزوة الثانية للرسول عليه الصلاة والسلام والمسلمين في شهر رمضان المبارك والتي وقعت في العشرين منه في العام الثامن من الهجرة والموافق العاشر من إبريل لعام 630م، حيث تمكن المسلمون بفضل الله من فتح مكة وضمها للدولة الإسلامية العظيمة.
أسباب فتح مكة :-
كان السبب الرئيسي لذلك هو انتهاك قبيلة قريش للهدنة التي كانت بينها وبين المسلمين، وذلك بقيام قبيلة قريش بإعانة حلفائها من بني الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة في الإغارة على قبيلة خزاعة حلفاء المسلمين، ونقضت العهد الذي عرف “بصلح الحديبية” حينما كانت هناك حروب وغارات سابقة بين قبيلتي بنو بكر وخزاعة، وأراد بنو بكر الثأر القديم من خزاعة فأغاروا عليها ليلا وقتلوا وأصابوا منهم الكثير بعد أن قامت قريش بإعانة بنو بكر بالسلاح والرجال، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي للمدينة وأخبر النبي، فحاولت قريش تدارك الأمر إلا أن الرسول أمر بالاستعداد لفتح مكة وكتم الأمر لمباغتة قبيلة قريش في مكة.
استعداد جيش المسلمين لفتح مكة :-
جهز الرسول عليه الصلاة والسلام جيش فتح مكة بعشرة آلاف مقاتل حضرت فيه جموع كبيرة من قبائل جهينة وبني غفار ومزينة وأسد وقيس وبني سليم والأنصار والمهاجرين.
قصة حاطب بن أبي بلتعه قبل فتح مكة :-
كتب الصحابي حاطب بن أبي بلتعه رسالة لأهل مكة يخبرهم بتحرك النبي إليهم لأنه كان حليفا لبني أسد بن عبد العزى في الجاهلية، وبعث الرسالة مع امرأة بأجره، إلا أن الوحي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فبعث عليا والزبير بن العوام للحاق بالمرأة وإحضار الرسالة منها فوجدوها وأحضروها للنبي، فأستدعى الرسول حاطبا وعاتبه على ذلك فأجابه حاطب بأنه كان يريد أن تكون له يد عند أهل مكة يحمون بها قرابته ولم يفعله كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام.
لحظات من فتح مكة :-
دخل الرسول عليه الصلاة والسلام مكة من أعلاها وهو يقرأ “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” وحبس أبا سفيان عند مضيق الجبل ليريه قوة المسلمين ومرت القبائل على راياتها ثم مر رسول الله في كتيبته الخضراء فأعترف أبو سفيان بمقولته الشهيرة “ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة” ورجع مسرعا لمكة ونادى في القوم “يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل داري فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن ” فهرع الناس إلى المسجد وإلى دورهم وأغلقوا الأبواب يترقبون من خلفها جيش المسلمين.
دخل جيش المسلمين مكة صباح يوم الجمعة الموافق العشرين من شهر رمضان للسنة الثامنة من الهجرة، كل حسب موضعه ومهامه التي حددها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهزم من أراد المقاومة من قريش ودخل الرسول المسجد الحرام والصحابة من حوله وأستلم الحجر الأسود، وخاف الأنصار بعد فتح مكة من إقامة الرسول بها وترك المدينة لكنه طمأن الأنصار بقوله “معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم”.
وطاف الرسول بالكعبة وحطم الأصنام التي كانت ثلاثمائة وستون صنما وهو يقول “جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” ثم دعا عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة وأمر بفتحها وطمس الصور الموجودة بداخلها (صور يزعمون أنها لإبراهيم وإسماعيل) ثم دخل وصلى بها ثم خرج ووجد معظم قبيلة قريش صفوفا ينتظرون.
حكمة الله في فتح مكة سلما دون قتال :-
هي حكمة ربانية لحفظ دماء المسلمين المستضعفين الذين أسلموا سرا في مكة لأن القتال قد يؤدي لتعرضهم للقتل من دون علم المسلمين، كما قال الله تعالى في سورة الفتح ﴿ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ (الآية-25).
أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام في فتح مكة :-
- صفح النبي عليه الصلاة والسلام عن حاطب بن أبي بلتعه وصفح عن أهل قريش إلا من تصدى للمسلمين.
- تواضعه عندما دخل مكة حاني الرأس متواضعا لله في هذا النصر العظيم.
- طمأنته للأنصار عندما أصابهم القلق والخوف من ترك الرسول للمدينة والعيش في مكة.
نتائج فتح مكة على الإسلام والمسلمين :- - تطهير مكة من عبادة الأصنام والشرك ونشر دين الإسلام والتوحيد فيها.
- رفع الظلم عن المضطهدين من المسلمين من أهل مكة والذي كان يمارسه المشركون ضدهم وعودة الحقوق لهم.
- دخول أهل مكة في الإسلام دون خوف من المشركين من قريش بأفواج كبيرة وممن أسلم أبو سفيان بن حرب وزوجته.
- إعلاء كلمة التوحيد ومكانة الدين الإسلامي في مكة قلب جزيرة العرب ومركزها الروحي والسياسي.
- تحقيق وعد الله بدخول البيت الحرام بالوعد الإلهي لرؤيا الرسول قبل صلح الحديبية بدخول مكة سلما ودون قتال في سورة الفتح ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (الآية-27).
وأختم بخطبة النبي عليه الصلاة والسلام في فتح مكة والتي تغني عن أي ختام بقوله ” إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، وإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فيه لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لي إلَّا سَاعَةً مِن نَهَارٍ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَقالَ العَبَّاسُ: يا رَسولَ اللهِ، إلَّا الإذْخِرَ، فإنَّه لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقالَ: إلَّا الإذْخِرَ ” صحيح البخاري ومسلم.
ومعنى الإذخرِ: هو نَباتٌ عُشبيٌّ عَريضُ الأوراقِ مِن فَصيلةِ النِّجيليَّاتِ، له رائحةٌ لَيمونيَّةٌ عَطِرةٌ، أزهارُه تُستعمَلُ مَنقوعةً كالشَّاي.
أما القَيْنُ: هو الحَدَّادُ؛ فإنَّه يَستعمِلُ الإذخرَ في إيقادِ النارِ، وهو نافعٌ لهم في حَرْقِه بدَلًا عن الحطَبِ، ويُستخدِمُه الناسُ في بُيوتِهم لسَقْفِها، وكذا لسَقْفِ قُبورِهم.