مقالات

“حُب الذات الإيجابي” بقلم: خالد عمر حشوان

حب الذات هي غريزة نفسية ورغبة الإنسان في تحسين كيانه ووجوده وهي أحد أساليب التقدير للنفس وانعكاس للشخصية أو تعبير لما يشعر به الإنسان في داخله من خلال المشاعر التي تظهر مدى تقدير واحترام النفس.

وهناك اعتقاد خاطئ عند البعض هو أن كل حُب للذات هو نوع من أنواع الأنانية التي تتعارض مع القيم الإنسانية وحب الآخرين، حيث يمكن للإنسان التعامل مع هذه الغريزة بعدة طرق إيجابية للإستفادة منها واستخدامها كسلاح قوي يواجه به مصاعب الحياة وتقلبات الأيام وسوف أركز على بعض منها لأهميتها القصوى في نظري على شكل نقاط وهي كالتالي:

-أولاً: التركيز على مواطن القوة لدى النفس:
لابد لكل إنسان أن يعرف ذاته جيدًا ويركز على مواطن القوة الداخلية فيها كي يتم استثمارها بشكل مناسب ومُثمر يزيد من ثقته بنفسه ويُنمي حب الذات لديه، وتأتي هذه الخطوة بالتركيز على الأهداف والنجاحات والإنجازات التي حققها الإنسان في حياته سواءً على مستوى الدراسة أو العمل أو الجانب الأسري دون غرور حتى تكون دافعًا له لتحقيق مزيدٍ من النجاحات وتنمية حب الذات الإيجابي.

-ثانيًا: معرفة نقاط الضعف وتحويلها إلى نقاط قوة قدر المستطاع:
لا يوجد إنسان على وجه الأرض لا توجد به عيوب ونقاط ضعف حيث لابد من معرفة نقاط الضعف حتى يكون الإنسان صريحًا مع ذاته، لأن معرفة المشكلة هي بداية الحل، ثم وضعها في قائمة الأولويات للعمل عليها وتحويلها إلى نقاط قوة بإذن الله قدر المستطاع والإلتزام بذلك التغيير حتى لو كان ذلك بالتدريج حسب الخطة الموضوعة، بدلاً من إهمالها وتركها تؤثر في النفس وتكون عائقًا له في مستقبله وطموحاته القادمة.

ثالثًا: قبول الذات كما خلقها الله مع الشعور بالرضى:
نعني بقبول الذات هو قبول الإنسان لكل ما يتعلق بذاته وتتمثل في الشكل والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به، وأيضًا المستوى التعليمي وهو أساس لتحرير الذات وقبولها، ومن حكمة الله تعالى ابتلائه لعباده واختباره لهم ليعلم المُطيع الراضي من العاصي الساخط، وأستشهد هنا بحديث الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم في قوله: ” إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ ” حديث حسن.

-رابعًا: حُب الذات دون إفراط في الأنانية والغرور:
حُب الذات هنا لا يعني التعالي والتباهي والتمادي في الغرور بحيث لا يؤدي ذلك لفصل الإنسان عن غيره ولا يساهم في رؤية الناس بنظرة دونية والعياذ بالله، بل لابد من مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم وقضاء حوائجهم قدر المستطاع لأن مساعدة الناس هي قمة الإحساس بالذات وتقدير النفس، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وآلة وسلم: ” مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ” الراوي أبو هريرة -صحيح مسلم.

-خامسًا: تجنب السلبية ومشاعر الفشل مع تعزيز الثقة بالنفس:
من المهم أن يكون لدى الإنسان الثقة بقدراته حتى ساعة الفشل وأنه قادر على التغيير وتخطي مرحلة الفشل وعدم جلد الذات، فالنجاح ليس دائمًا الأهم بل الجُهد المبذول هو المَكسب الحقيقي للمواصلة لطريق القمة لأن حب الذات يستلزم ترك القلق والتفكير في التغيير والتحسين للأفضل بطريقة إيجابية وهو ما يُنمي حُب الذات ويعزز الثقة بالنفس للوصول للأهداف المنشودة بالمحاولة الجادة والإصرار وهو نوع من التحدي دائمًا ينجح فيه أصحاب الإرادة القوية.

-سادسًا: حُب الخير للغير كحُب الخير للنفس:
حُب الخير للنفس هي طبيعة خلقها الله في النفس البشرية، وكي يكون هذا الحُب إيجابي، لابد من تدريب وترويض النفس لمعادلة حب النفس لحُب الغير، وخير دليل لنا في ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين الأخيار الذين أثرت فيهم الشريعة الإسلامية ورفعت شأنهم عن النظرة الدونية والعصبية ونظمت علاقة الذات فيما بينهم، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ” لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه ” صحيح البخاري.

وفيها تتجلى روعة الإسلام وعدالته في مساواة حُب الخير للغير كحُب الخير للنفس فجعله أحد الدلائل على رسوخ الإيمان واكتماله عند المسلم الذي يتميز بأخلاقه الراقية والسامية في المجتمع.

وأخيرًا وليس آخرًا، حُب الذات لا يعني التفكير في الأمور الإيجابية والسعادة الدائمة للنفس فقط، لأن ذلك يعّد انحرافًا عن المعنى الحقيقي للحياة الواقعية، بل يعني تقدير النفس واحترام الذات التي تنمو وتتطور عن طريق الممارسات الإيجابية التي تدعم النمو النفسي والروحي السوي للإنسان وتقبل نقاط الضعف والعمل على تغييرها، وتعزيز نقاط القوة والثقة بالنفس لتحقيق النجاحات المتتالية للوصول إلى السعادة وحُب الذات الإيجابي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى