مقالات

جميعنا أصحاب سُلطة بقلم : ظافر بن عبدالله الحارثي

“إن الظلم والجهل وراء كل فساد”، إلا أن حُسن الامر هنا يتمثل في كون أن هذا الأمر يُعالج بالعلم والفكر الحسن، بإتباع منهج واساليب صحيحة تعيد الضالين من خلالها للصراط المستقيم؛ خُلق الانسان حرًا ممكننا عاقلًا قادرا على الاختيار والتفرقة بين ما هو محمود وبين ما هو مذموم، الا أن هذه الفطرة السليمة السوية لم تسلم على اعتبار تأثرها بظروف الحياة المختلفة.

قيل قديما بأن القوة أساس الملك، الا أن عبر العصور ومع ظهور الاسلام بالتحديد تغير ذلك المفهوم وبسط الكثير من القيمة والافكار التي أرست قاعدة ” العدل اساس الملك”، ومع ذلك بقت بعض الممارسات السلبية دارجة، التي من أبرزها اساءة استخدام السلطة، والتي لم تصبح مرتبطة بأصحاب المناصب العليا، بل كل منصب يتبعه سلطة او صلاحية يتحكم بها الفرد على اعتبار صفته.

بالرجوع إلى كتب فلسفة القانون، وكتب مداخل إلى علم القانون، وكتب تاريخ تطور القانون وغيرها…، نستنج بأن هذه الأنظمة وهذه النصوص التشريعية لم توجد للقمع، ولا لترهيب وإيقاع اللوم أو العقاب، ولا لخلق الفوارق والمسافات، بل على النقيض وجدت لتلبية احتياجاتنا الضرورية وتنظيم آلية التعامل بين بعضنا البعض، وكذلك لتحديد ماهية الواجبات والحقوق والكيفية التي نتبعها للمتابعة والمطالبة بها، إذ أن بدون هذه الأنظمة لا يمكننا أن ننعم بحياة آمنة ومستقرة.

إن فقدان العدالة أو حتى بطئها في المجتمعات لا يصب في مصلحة الأمن القومي، بل أن اهتزاز الثقة في المنظومة العدلية (كالمؤسسات القضائية، والتشريعية، والتنفيذية) مؤشر خطير على أن هناك من سيبحث عن طرق بديلة للمقاضاة مما يقودنا إلى انفلات أمني وحالة من الفوضى وعدم الاستقرار، لذا فإن تبذل الحكومات كل ما في وسعها لضمان تحقيق دولة قوية قانونية رصينة، وبالرغم من كل ذلك إلا أن الوعي الَّذِي ينطلق من باب المسؤولية الفردية هو أقوى الأسلحة التي تقضي على الأفكار الخبيثة والبذور السامة والتصرفات الخارجة عن الأخلاق والقانون؛ فمهما سعي البعض إلى استيراد هذه الافكار التي تدعو إلى إيجاد نسخ جديدة للعدالة، نقول لهم أن للعدالة نسخة واحدة ومسار واحد نعرفها جيدًا.

إن من أسباب كثرة المفسدين هو قلة المصلحين الذين يرشدون أولئك إلى الصراط المستقيم والمسار السليم، فالفكر لا يحارب إلا بفكر آخر، لذا لا أبالغ في القول بأن القانون رسالة سامية ومسؤولية مشتركة بيننا جميعنا، فبالرغم من كون القانون استثناء في التعاملات وذلك على أساس أن قواعد الاخلاق هي الأصل، إلا أن نجد في زماننا توسع دائرة التعامل بقواعد القانون عوضًا عن الاخلاق لتصبح هي الأصل؛ مما يتعاظم دورنا في أن نقف وقفة جادة في سبيل معالجة كل الظواهر والعادات والتقاليد الفاسدة من خلال الوعي القانوني.

في مقالات قانونية سابقة لعلي أسهبت في توضيح أهمية التثقيف القانوني، وما يترتب على فقدان هذا النوع من الثقافة، وهذا النوع من المثقف، إلا أنني أعود في هذه المقالة لتناول هذا الموضوع من زاوية اجتماعية مختلف، نتيجة لمستجدات الساحة والمشهد سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها من المنصات التي خلقت وسيلة جديدة من وسائل التجمهر والتجمع ذات الأهداف السلبية والتي تبتعد كل البعد عن نظرية الحقوق الأساسية ضاربة الاخلاق والقانون في عرض الحائط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى