الضمائر الغائبة ..” بقلم: أميمة عبد العزيز زاهد
إننا كتلة متكاملة أساسها الضمير، وبدون ضمير تُصاب الفضائل بالأمراض، ولا نرتقي لمرتبة الإنسانية، نتيجة لفقد جهاز المناعة، إنه الشيطان الذي يتسلل إلى العقل ويبني وكرًا آمنًا، يبدأ منه بإدارة زمام الأمور، يوجه من يمتلكه لتنفيذ أفكاره الشيطانية، وطريقه معروف وواضح في اتجاه المعصية.
ففي كل لحظة يبحث عن زبائن جدد؛ ليزرع بداخلهم التهاون وتصغير الكبائر؛ ليرتكبوا الخطايا ويعيثوا في الأرض فسادًا، وكثيرة هي الصور التي قد يفقد فيها الإنسان زمامه حين يرتكب ما يخالف ضميره، أو يفعل أمرًا يجعله أسيرًا لفعلته، وهناك من لا يغمض له جفن ولا يهدأ له بال؛ لأن ضميره يظل يؤنبه ويُحّفزه على التراجع، وهناك من يستمر وكأن شيئًا لم يكن، ويندفع وراء أهوائه ونزواته؛ حتى يعتاد ضميره على كل المحظورات، بل ويبرر لنفسه بأي مخرج شرعي ونظامي؛ حتى يستطيع أن ينام مرتاح البال.
وما أكثر حالات إسكات الضمير في نواحٍ عديدة في حياتنا، فهناك من يكون ضميره غائبًا عندما يشتم ويتهجم بسوء أدب وحجته الغيرة على الدين والفضيلة، وهناك من عاش ضميره في غيبوبة حين ينهش ويأكل لحم أخيه، فيمارس الغيبة والنميمة والبُهتان في أعراض المسلمين، وحين يأخذ ميراث زوجته أو ينهب مال يتيم، وحين يريد أن يرتشي ويسمي الرشوة إكرامية، وحين يتجاوز حقه الشرعي والنظامي، أو لم يحترم حقوق الآخرين.
من مات ضميره يرى أنه يملك وحده حق العيش الكريم في هذه الدنيا، فزوجته هي التي ينبغي أن تتزين له، وأبناؤه هم الذين يجب أن يّبروه، وصديقه يجب عليه أن يقف معه في الشدائد، ومديره هو المفترض أن يعذره ويقدر ظروفه، وأنّ كل منْ حوله يجب عليهم أن يقفوا في صفه، وأن يصبروا عليه ويراعوا نفسيته.
وهذه الفئة ليس من حقها أن تغضب ممن خدعتهم عندما يتغيرون وتتبدل مشاعرهم نحوهم، فكلما كانت الخدعة قاسية ومؤلمة ازداد الألم، فلماذا يستغرب المستهتر صاحب الضمير الغائب، ويتعجب من سوء ظن الآخرين فيه، وهى نتيجة حتمية مقابل أسلوبه الملتوي والمخادع، والواجب أن يغضب من نفسه؛ لأنه بدّد رصيد الثقة بسوء أفعاله ونقص أمانته، فهو منْ دفع الآخرين بسوء تصرفه لإساءة الظن به.
إن إحياء الضمائر الغائبة مسؤولية كبيرة، فلا يمكن أن نعين رقيبًا على كل شخص؛ لأن الرقيب لا بد أن يكون نابعًا من الداخل من الأعماق، والعقلاء من البشر هم الذين إذا أوشكوا أن يهووا في القاع، نهضوا بكل ما يملكون من قوة؛ ليخرجوا منه ويتمسكوا بأي حائل يمنع بينهم وبين السقوط في الهاوية، ويحاولوا بعدها أن يستعيدوا توازنهم؛ لكي يرجعوا عن حافة الخطر، فهم قد تعلموا مما مر عليهم من تجارب ودروس، إنها لحظة فارقة في حياة كل إنسان، لا بد أن يحثها دومًا لمراجعة أفكاره ومفاهيمه وتصرفاته التي قد تدفعه إلى تعريض حياته وآخرته للخسارة الفادحة.