منوعات

المتحف الوطني يوثق مجموع مخطوطات الفوائد في علم البحر والقواعد وحاوية الاختصار في أصول علم البحار للملاح العُماني أحمد بن ماجد

مسقط – العربي

توثيقًا لعظيم ما سطّرهُ الملاح العُماني أحمد بن ماجد السعدي وتأصيلًا لبراعته البحرية، و إبداعه الملاحي، أصدر المتحف الوطني إصدارً خاصًا بعنوان “مجموع في علم البحار” يوثق أصل مخطوطة “كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد” والمعنونة (مجموع مخطوطات الفوائد في علم البحر والقواعد وحاوية الاختصار في أصول علم البحار والأراجيز)، والمُعار من مكتبة الأسد الوطنية بالجمهورية العربية السورية للمتحف الوطني منذ عام (2019م)، وذلك بعد الجهود المبذولة من فريق العمل بالمتحف الوطني بالتعاون مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وبدعم من المؤسسة التنموية للشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال.

وفي الكلمة الافتتاحية للإصدار قال سعادة/ جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني: “إن عرض أصل المخطوطة “مجموع في علم البحار” للمؤلف أحمد بن ماجد السعدي في المتحف الوطني تأكيد لعُمانية هذه الشخصية العلمية والتاريخية الفريدة، والذي جاء في سياق التعاون القائم بين المتحف الوطني ووزارة الثقافة بالجمهورية العربية السورية الشقيقة في سياق الدبلوماسية الثقافية التي ينتهجها المتحف الوطني”.

وأضاف:” تمت إعارة المخطوطة للمتحف لمدة ثلاث أعوام بغرض حفظها وصونها قبل إتاحتها للعرض المتحفي، وتم التنسيق مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية من أجل إعادة هذه الوثيقة لحالتها الأصلية، من خلال تنفيذ برنامج متكامل للحفظ والصون والتنقيح، وتعد هذه المخطوطة واحدة من بضع نسخ تم حفظها لمخطوطات أحمد بن ماجد السعدي على مستوى العالم، والتي تعد أقدمها تلك المحفوظة في معهد المخطوطات الشرقية في سانت بطرسبورغ بروسيا الاتحادية”.

من جانبه قال سعادة الدكتور/ حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية:” الثناء المعطر بالتقدير للأشقاء في الجمهورية العربية السورية على تعزيز التعاون الثقافي والوثائقي والمتحفي، وكان المتحف الوطني حلقة التواصل والاتصال وصولاً لمساهمة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في تعقيم المخطوط وترميمه وصيانته، ولا ريب أن عملية إتاحته وعرضه في المتحف الوطني وعرضه للمشاهدة والوقوف عليه فرصة طيبة للاطلاع على مآثر علماء عُمان ومفكريها؛ إذ يعد هو وأمثاله رصيدا مهما للفكر والثقافة العربية والإسلامية”.

وأشار سعادة الدكتور/ بسام الخطيب، سفير الجمهورية العربية السورية المعتمد لدى سلطنة عُمان للفترة من (2020م-2022م)في كلمته عن عرض المخطوط في المتحف الوطني بأن الحدث يعكس عمق التلاقح الحضاري بين بلدين كانت لهما بصمة دائمة التأثير على مسيرة الحضارة الإنسانية وإن تدشين جاهزية مخطوطة أحمد بن ماجد السعدي بعنوان ” كتاب الفوائد في معرفة علم البحر والقواعد ” هو تعبير عن علاقة تقارب أصيل العمق وطويل الأمد بين سلطنة عُمان والجمهورية العربية السورية لأن المخطوط الأصل كان موجودا بسلام في دمشق التي أرادته أن يزور أهله في مسقط، ولذلك فإن التعاون المهني ودبلوماسية الثقافة والأخوة التاريخية أدت إلى صدور مرسوم رئاسي سوري بإعارة المخطوط إلى الأهل في عُمان.

جاء الإصدار في (722 صفحة)، ويتضمن مقدمة الدراسة التي قام بها الدكتور/ حميد بن سيف النوفلي للمخطوط، ومقدمة الإصدار، والمبحث الأول بعنوان (نسخة الإصدار)، والمبحث الثاني بعنوان (رسائل المخطوطة)، والمبحث الثالث بعنوان (حفظ المخطوطة وصونها) وأخيرا استعراض النسخة المصورة للمخطوطة مع يقابلها عرض تفاصيل المخطوطة.

فهرس الإصدار

تناول الموضوع الأول مقدمة لدراسة الدكتور/حميد بن سيف النوفلي للمخطوط حيث كان عمله في دراسة هذا التراث محصوراً على النسخة الوحيدة المتوفرة، وهي المعُارة من مكتبة الأسد الوطنية حيث قام الدكتور بالاطلاع على النسخة الورقية لمحتويات المجموع، ومراجعتها لغويًا، ومقابلة النسختين الورقية والإلكترونية وتحرير الأخيرة، وفقًا للتعديلات والتصويبات اللغوية والطباعية، وأخيراً تقديم تعريفات مختصرة لأغلب المحتوى الوارد في الكشافات على طريقة المعاجم الجغرافية.

وأشار الدكتور في مقدمة الدراسة: فيما يتعلق بالنصوص الشعرية فقد أبقيتها على أصلها، ولم أتدخل في تعديلها رغم عدم استقامة الأوزان في بعض الأراجيز؛ نظرًا لأن منهجية العمل تتمثل في دراسة المجموع وليس تحقيقه وشرحه، والأمر نفسه في التعامل مع أسماء الأماكن والبلدان والموانئ والمعالم الجغرافية الأخرى التي لم أتوصل إلى أي تعريف لها أو حتى إشارة لها في المصادر والمراجع المتاحة، ويمكن عزو ذلك إلى احتمال تغير أسمائها كما هو شأن كثير من الأماكن لاسيما الموانئ التي تكون نشطة ومهمة ومعروفة في زمن معين ثم تنحسر أهميتها بعد ذلك لأسباب مختلفة؛ فلا تكاد تذكر.

وأضاف: يمكننا القول بأن المتحف الوطني بسلطنة عُمان صنع خيراً عندما أحيى تراث الملاح أحمد بن ماجد باستعارة مجموع يحتوي على عدد من مؤلفاته من المكتبة الأسدية بدمشق، والتي هي موضوع هذه الدراسة لتكون متاحة للجميع، ولتفتح آفاقًا جديدة لإجراء مزيد من الدراسات المعمقة حول هذا التراث المهم، ودراسة مختلف جوانبه الجغرافية والبيئية والمناخية والفلكية على حد سواء.

وفي ختام الدراسة قال: “يتضح جليًا مما تقدم الحضور المهيب لشخصية هذا الملاح العُماني الفذ من خلال تعدد مواهبه ومنهجه العلمي وانتاجه المعرفي؛ الأمر الذي دعا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى إدراجه في عام (2021م) ضمن قائمة الشخصيات المؤثرة عالميا بكل جدارة واستحقاق، وهذا بطبيعة الحال يؤكد الشهود الحضاري لعُمان وللعُمانيين، ويرسخ تأثيرهم الذي جاوز الحدود الوطنية ليكون عالميًا بامتياز”.

المقدمة

وجاء في مقدمة الإصدار: ” عُرف أحمد بن ماجد السعدي (825-906هـ/ 1421-1500م) بأنه من أشهر الملاحين العرب وأطولهم خبرة في المحيط الهندي في القرن الخامس عشر، ومن أعمق علماء فن الملاحة وتاريخه تجربة عند العرب، وهو الخبير بالبحار الشرقية وشواطئها، كما أنه منظر علم الملاحة العربي، وصاحب الاكتشافات الجغرافية الذي سبق الأوروبيين في معرفتهم بحر الهند، وهو من وضع النظريات لتجديد رؤية الجغرافيين القدامى إلى هذا المحيط، و وصف

الرياح المحلية والمد والجزر في الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب، كما أنه هو من ابتكر المصطلحات العربية في شتى العلوم والفنون التي اعتمدت عليه ملاحته، واخترع الإبرة المغناطيسية (البوصلة) المستعملة في تحديد اتجاهات الرحلات البحرية، وترك آثاراً علمية عديدة في علوم البحار جاوزت (40) كتاباً ومنظومةً، أهمها: الأرجوزة التائية، والأرجوزة السفالية، والأرجوزة المعلقية، وأرجوزة تصنيف قبلة الإسلام في جميع الدنيا، وأرجوزة حاوية الاختصار في أصول علم البحار، والنونية الكبرى. وقد انتشرت مؤلفاته في المكتبات الأوروبية وترجمت إلى عدة لغات، وبُنيت عليها أساليب الملاحة الأوروبية الحديثة.

ومن أشهر مؤلفاته كذلك كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، فقد صنفه سنة (880- 895هـ /1475 – 1490م) في أواخر عمره. وظل اسم أحمد بن ماجد السعدي على ألسنة البحارة في بحر عمان والبحر الأحمر والمحيط الهندي قروناً عديدة بعد وفاته.

المبحث الأول والثاني

وسلط المبحث الأول والمعنون بـ (نسخة الإصدار) الضوء على هذه المخطوطة والتي تُعد من أواخر ما كتبه شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي، فهي تمثل خلاصة ما توصل إليه بالتجربة في علوم البحار، وهي في الوقت نفسه تتويج لمعارفه الجمة، وحفظت هذه المخطوطة في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، ولم يذكر اسم الناسخ على المخطوطة. وهي تحتوي على (175) ورقة؛ أي (350 صفحة)، ويبلغ متوسط عدد الأسطر في كل صفحة (23) سطرا، واستخدم خط النسخ بالمداد الأسود لكتابة النصوص، والمداد الأحمر في كتابة العناوين، كما يحيط بمتن المخطوط إطار باللون الأحمر.

تحتوي هذه النسخة من المخطوطة على ثلاث مجموعات، وقد اقترحت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية عنونتها بمجموع في علم البحار؛ وذلك كونها تحتوي على أكثر من عنوان، حيث جاءت عناوين المخطوطة في (3) مجموعات، المجموع الأول: “الفوائد في علم البحر والقواعد” والذي حوى على (18) فائدة، أما المجموع الثاني: “حاوية الاختصار في أصول علم البحار” وهو عبارة عن أراجيز شعرية مكونة من (11) فصلاً، والمجموع الثالث تضمن “الأراجيز”، ويحتوي على (14) أرجوزة و (8) فصول.

حيث تناول المبحث الأول المجموع الأول وأول عشر فوائد، أما المبحث الثاني والمعنون بـ (رسائل المخطوطة) تضمن التعريف بالفائدة الحادية عشر والثانية عشر، بالإضافة إلى المجموع الثاني والثالث.

المبحث الثالث (حفظ المخطوطة وصونها)

وسلط المبحث الثالث على مراحل حفظ وصون المخطوطة، ففي إطار التعاون بين المتحف الوطني وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية عكف قسم الترميم بالهيئة على الحفظ والصون لمخطوطة “الفوائد في معرفة علم البحر والقواعد” لشهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي، إذ تم تشكيل فريق عمل لمعالجة المخطوطة وترميمها، نظراً للأضرار البالغة التي أصابتها، ولم يكن بالاستطاعة حمل المخطوطة أو التعامل معها بسهوله، وذلك الارتفاع درجة حموضة الورق وتكسرها، وكذلك لتأثر الأحبار في مساحات واسعة من المخطوطة. وقد مرت المخطوطة بعدة مراحل في عملية الحفظ ابتداءًا من إجراءات الاختبارات والتحاليل، وعملية إزالة اللاصق من آثار الترميم السابق، تم المعالجات والترميم،

تليها عمليات الصون اليدوي والتدعيم والتشذيب، وانتهاءً بالخياطة والتجليد والزخرفة، وصناعة الحافظة ومسند العوض؛ لتأخذ المخطوطة في النهاية شكلها الأصلي في الغلاف والزخرفة واللون.

النسخة المصورة

أما آخر جزء في الإصدار استعرض النسخة المصورة للمخطوط من خلال عرض كل ورقة من المخطوط يقابلها عرض تفاصيل المخطوط بعد التعديلات والتصويبات اللغوية والطباعية مع تعريفات مختصرة في نهاية بعض الصفحات.

الجدير بالذكر أن في عام (2021م) ولمدة (3 أشهر) تم عرض مخطوط “الأراجيز الشعرية في الملاحة البحرية المُعار من معهد المخطوطات الشرقية بمدينة سانت بطرسبورغ في روسيا الاتحادية إلى جانب مخطوط “كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد” المُعار من مكتبة الأسد الوطنية في “قاعة التاريخ البحري” بالمتحف الوطني، ويُعد المخطوط الأول الأقدم في العالم للبحار أحمد بن ماجد السعدي، ويحتوي على ثلاثة أراجيز: السفالية والمعلقية والتائية، ويُحفظ المخطوط في مدينة سانت بطرسبورغ، وتعود كتابته إلى القرن (11هـ/ 16م)، في فترة مملكة النباهنة وهو من الجلد والورق، وخط بالحبر الأسود والأحمر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى