الحرب الروسية الأوكرانية تطلق شرارة السباق لخلافة بوتين
وكالات – العربي
فشلت الحرب في أوكرانيا في ترسيخ قوة روسيا أو توحيد المجموعات التجارية والسياسية المؤثرة في البلاد. ولو حقق الرئيس فلاديمير بوتين النصر السريع الذي كان يعتمد عليه بوضوح عندما أطلق «عمليته الخاصة»، لكان قد عزّز موقعه كزعيم؛ ولكن مع استمرار الصراع، أُجبرت النخب على التفكير في مستقبلها ومحاولة أن تجد مكانها فيه.
لا يُظهر بوتين نفسه أي نية في التنحي، لكنه يبدو أنه يتراجع بشكل متزايد. وتراقب النخب والخلفاء المحتملون كل تحركاته العسكرية، لكن يمكنهم بالفعل رؤية أنه لا مكان له في رؤيتهم للمستقبل بعد الحرب. وستكون وظيفته الوحيدة المتبقية في تصورهم لعصر السلام الجديد هي ترشيح خليفة وتركه للمسرح.
لذلك، فقد أطلقت الحرب شرارة السباق العام لخلفاء بوتين. وفي السنوات الأخيرة، ظلت المناورات السياسية في الظل، ولكن في هذا العصر الجديد، أصبحت التصريحات الصاخبة والإيماءات السياسية عالية الوضوح، هي القاعدة مرة أخرى. ويبدو الأمر كما لو أن حملة انتخابية نشطة جارية بالفعل، إذ يبذل البيروقراطيون والمسؤولون داخل الحزب الحاكم قصارى جهدهم للوصول إلى دائرة الضوء، وحتى مهاجمة بعضهم بعضاً.
وحتى وقت قريب، كان مثل هذا السلوك غير وارد تقريباً؛ فقد عملت الإدارة الرئاسية في صمت، بينما اقتصرت مهمة الموظفين رفيعي المستوى، في حزب روسيا الموحدة الحاكم، على تقديم وعود بشأن السياسات الاجتماعية.
وكان الرئيس السابق ورئيس الوزراء السابق، ديمتري ميدفيديف، منشغلاً بشكل خاص بالإدلاء ببيانات. وغالباً ما تبدو تعليقاته المتشددة المبالغ فيها حول قضايا السياسة الخارجية والإهانات الموجهة للزعماء الغربيين هزلية، لكن الدور الذي يحاول القيام به واضح. إنه يمزج الانعزالية الشديدة مع الشعبوية، ويلقي باللوم على الأعداء الخارجيين، بأنهم وراء المشكلات الداخلية.
سياسي آخر قام بإيماءات صاخبة حديثاً هو النائب الأول لرئيس الأركان وأمين الكتلة السياسية في الكرملين، سيرغي كيرينكو، الذي تم تكليفه بمسؤولية الإشراف على الجمهوريات الانفصالية في دونباس. وقد أصبح أحد أبرز السياسيين في العصر الجديد، على الرغم من أنه سابقاً – منذ أن أصبح مبعوثاً رئاسياً في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – لم يُظهر أبداً أي ميل للأضواء.
ولكن، الآن، بدأ كيرينكو في التحدث، بصوت عالٍ، عن الفاشيين والنازيين والمهمة الفريدة للشعب الروسي، ويتصدر الأحداث العامة. وفي دونباس، كشف النقاب عن نصب تذكاري لـ«الجدة أنيا»، المرأة المسنة التي حاول الروس تحويلها إلى رمز لـ«تحرير» أوكرانيا. ومن الواضح أنه يؤكد مكانته كمنسق لجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك.
إلى ذلك، أكدت تقارير إعلامية أن أولئك الذين يشغلون وظائف إدارية في جمهوريات دونباس هم من خريجي مدرسة المحافظين. وعلى الرغم من أن كيرينكو ليس منخرطاً بشكل مباشر في الحملة العسكرية، فقد نجح بوضوح في إيجاد مكانة لنفسه في أجندة بوتين العسكرية.
أما المتسابق الآخر في معركة الصقور، فهو رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين. ومنذ انتقاله من الكرملين، كنائب أول لرئيس الأركان، إلى مجلس الدوما، عزز فولودين حضوره العام، إذ أدلى بالعديد من التصريحات الاستفزازية. والآن يضاعف جهوده، ويدعم حظر الكلمات الأجنبية على واجهات المتاجر، ويدعو إلى إبقاء عقوبة الإعدام، في دونيتسك ولوهانسك.
استراتيجية مختلفة
وتبنّى البيروقراطيون المؤثرون الآخرون استراتيجية مختلفة للغاية، إذ اختاروا الابتعاد عن موضوع «العملية الخاصة»، وفق ما يسمح موقعهم. وهذا الصمت هو في حد ذاته لفتة سياسية.
وكان رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، وكلاهما يعتبران متنافسين على خلافة بوتين، قبل الحرب، صريحين بشكل ملحوظ بشأن «العملية الخاصة» في أوكرانيا. ووصل سوبيانين إلى الخط من خلال الظهور في تجمع حاشد لدعم العملية، في ملعب «لوجنيكي» بموسكو، في مارس، وسافر إلى لوهانسك، في يونيو، لكن لم يتم رصده بعد بزي الجيش أو الدعوة إلى «سحق النازية». وفي غضون ذلك، تجنب ميشوستين موضوع الحرب بالكامل.
والتفسير المنطقي لصمته هو أن الحرب مسألة مؤقتة، ويجب استعادة العلاقات مع الغرب، وحتى مع أوكرانيا، في مرحلة ما وبطريقة ما. وعندما يحين ذلك الوقت، فإن أولئك الذين لم يهينوا «الدول المعادية»، أو شاركوا بشكل مباشر في الحملة العسكرية سيكونون في وضع أفضل للقيام بذلك.
ومع ذلك، فإن الصمت له مخاطره الخاصة. وإذا طلب بوتين، في النهاية، التزاماً كاملاً من جميع البيروقراطيين بشأن دونباس والعملية العسكرية الحالية، فإن حقيقة أنهم ظلوا صامتين يمكن أن تكون ضدّهم.
وتعكس الاستراتيجيتان – الإيماءات الصاخبة والصمت المطبق – المناهج والافتراضات المختلفة لمن يستخدمها. ويعمل الصقور على أساس أن الخليفة سيختاره بوتين، لذا فهم يقلّدون سلوكه في محاولاتهم لكسبه، مشيرين إلى أنهم سيحافظون على إرثه بإخلاص. وقال فولودين ذات مرة: «بعد بوتين سيكون هناك بوتين». ويعتمد أولئك الذين يظلون صامتين على سيناريو خلافة مختلفة، إذ سيتم اختيار القائد الجديد من قبل النخب.
حدث افتراضي
ونسخة 2022 من سباق خلافة الرئيس هي حدث افتراضي بالطبع. ولم يعلن بوتين عن بدء اختيار المرشحين، ومن الواضح أنه لا يخطط لترك وظيفته: الإدارة الرئاسية تستعد للانتخابات في عام 2024، وواضح من سيكون في الدور المركزي. وستلغي الحرب والضم المحتمل لأراضٍ أخرى حاجة بوتين إلى إصدار بيان من أي نوع، وهو يريد أن يخوض الانتخابات باعتباره الرجل الذي هزم النازية (بغض النظر عن النتائج الفعلية للحرب)، وكشخصية تاريخية لا يحتاج إلى تقديم أي وعود لشعبه.
ومع ذلك، فإن الاهتمام الذي يظهر في سباق الخلافة، من قبل كبار أعضاء النخب – ناهيك عن حماس المشاركين فيه – يوضح أن النظام يريد مناقشة و(رؤية) مستقبل ما بعد بوتين. وقد يبدو أن الظروف القصوى في زمن الحرب يجب أن تُبعد أي أفكار عمّا سيأتي لاحقاً. ولكن مهما كان شكل هذا المستقبل، يبدو أن هناك مساحة أقل لبوتين فيه.
• أصبحت التصريحات الصاخبة والإيماءات السياسية عالية الوضوح، هي القاعدة مرة أخرى. ويبدو الأمر كما لو أن حملة انتخابية نشطة جارية بالفعل.
• التفسير المنطقي لصمت رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، هو أن الحرب مسألة مؤقتة، ويجب استعادة العلاقات مع الغرب، وحتى مع أوكرانيا، في مرحلة ما وبطريقة ما.
• تبنّى البيروقراطيون المؤثرون الآخرون استراتيجية مختلفة للغاية، إذ اختاروا الابتعاد عن موضوع «العملية الخاصة»، وفق ما يسمح موقعهم.
• يعمل الصقور على أساس أن الخليفة سيختاره بوتين، لذا فهم يقلّدون سلوكه في محاولاتهم لكسبه، مشيرين إلى أنهم سيحافظون على إرثه بإخلاص.
أندريه بيرتسيف ■ محلل سياسي
المصدر : الامارات اليوم