“يا آباء كونوا أصدقاء” بقلم : أميمة عبد العزيز زاهد
إن قضية تربية الأبناء من أهم القضايا التي يجب أن يمنحها المسؤولون والمرّبون جُلَّ اهتمامهم، وأن يكون هناك دراسات وأبحاث وحِوارات على جميع الأصعدة، ومع جميع الأطراف المعنية؛ ليتمكنوا من وضع أُطر وبرامج ومشاريع تهتم ببناء الإنسان على أرض الواقع، وليس مجرد دراسات واستراتيجيات ودورات ومؤتمرات حبيسة المكاتب، فما نراه ونسمعه في زماننا الحالي من كثرة شكوى الأهل والتربويين والمجتمع من الانحرافات الفكرية وتبدل السلوكيات لبعض الشباب والأطفال، والتعدي والتطاول اللفظي والجسدي وغيرها من مظاهر العنف لم يأت من فراغ، وسيزداد الوضع سوءاً لو لم نضع أيدينا على هذا الخلل وحاولنا أن نصلحه، فهل نحن فعلاً نستمتع بتربية أبنائنا؟! وهل نعرف خصائص مراحل نموهم النفسية والمعنوية والاجتماعية والجسدية؟ وما يصاحبها من تغييرات طبيعية، سأبدأ مقالي برسالة موجهة من ابنة إلى والدتها تقول فيها: في كثير من الأحيان يا أمي تطلبين مني القيام بأعمال لم يسبق لي القيام بها، وتصدرين أوامرك وتعليماتك دون أن توضحيها لي كي أفهمها، وعندما لا أنفذها كما طلبت تعاقبينني دون مناقشتي، وتجبرينني على الاعتذار، فلماذا لا تتركيني حتى تهدئي؟ ثم تعٍرفيني ما هو خطأي الذي عاقبتني من أجله، فالعقاب لن يجدي شيئًا ما دمتُ لم أعرف ما هو خطأي حتى لا أكرره، وكم تمنيت يا أمي أن تحتويني، فمن غيرك يعلمني الخطأ من الصواب؟
ورسالة أخرى من ابن يعاتب والده قائلاً له: «أبي لماذا تنتقم مني! » أنت لم تزرع فيّ سوى الخوف والحقد، فماذا تتوقع أن تحصد من مثلي؟ أبي أرجوك اسمع مني قبل أن تحّولني إلى بركان متحرك من الغضب، لا تجعل عقابك لي مجرد ردة فعل، أو تنفيسًا لغضبك تجاه الخطأ الذي ارتكبته، وليكن عقابك لي فعلاً هادفًا من أجل تنشئتي تنشئة صالحة، لماذا تحاول تذكيري مرارًا بخطأي بعد أن عاقبتني عليه.. والدي إذا لم يجد الضرب نفعًا في تعديل سلوكي أو كفي عن الخطأ، فابحث عن عقاب آخر غير الضرب، لأنه لن يجدي نفعًا، ولن يورث سوى الذل والإستهانة، فالعقوبة التي تصدر منك تجعلني أشعر بأننا لسنا في أسرة، بل في قاعة محكمة، أبي إن لم تخف علي ألا تخاف على نفسك عندما تكبر، فلا تجدني سوى ابن لا يرحم ولا يُرحم، فأضيعك في دنياك لتضيعني في آخرتي»
وهناك الكثير والكثير من الحالات أقل ما أقول عنها بأنها مأساوية، وهناك العديد من الأسئلة التي تراودني، هل تتوقف حاجة الأبناء عند توفير الملبس والمأكل والمسكن؟ ولماذا يا ترى يفشل بعض الآباء في الحوار مع أبنائهم؟ ولم يعد بإمكانهم السيطرة عليهم، وهل نحن نتقن فعلاً فن التربية؟ وهل نمتلك مهارات تربوية تغنينا عن العقاب؟ وهل يشعر أبناؤنا بأننا نفهمهم ونحترم آراءهم ونتقبلهم كما هم بكل عيوبهم؟ ونحاول جاهدين أن نقّومها لنشعرهم بحريتهم الشخصية، ونتمكن من تقوية علاقتنا بهم ونضاعف تأثيرنا الإيجابي عليهم.
(ابني غبي لا يستوعب)، احتضنيه كوني حنونة معه، فالقشرة الدماغية المسؤولة عن الذاكرة والاستيعاب والتحصيل العلمي تنمو وتتسع كلما ازداد حنان الأم، وكونك أباً لا يعني أن تكون مصدراً للأوامر والنواهي، وإجبار الأبناء على الطاعة.. لأبنائك عليك الكثير من الحقوق قبل أن تطلب البر منهم.