“وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ” بقلم: خالد عمر حشوان
“وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ “، أنزل الله عز وجل هذه الآية العظيمة في سورة الذاريات (رقم الآية 21) والتي دائمًا كنت أتوقف عند قراءتها بفكري وخواطري وأتعمق في معناها، ووجدت بعد البحث في كتاب الإمام ابن قيم الجوزية ” التبيان في أقسام القرآن ” توضيح مختصر للمقصود منها وهو تنقل النفس من حال إلى حال واختلاف ألسنتها وألوانها وما جبلت عليه من القوى والإدارات وما فيها من تفاوت في العقول والفهم وخلق الأعضاء وتوزيعها في الجسم وأدوارها (وظائفها) التي خلقها الله من أجل هذه النفس البشرية، لذلك تجد كل عضو من هذه الأعضاء خلقه الله في مكان مخصص حسب دوره ووظيفته التي خُلق من أجلها.
وبالعودة لأمر الله عز وجل في الآية بالتفكر والتدبر في خلق النفس البشرية، ولو قمنا أيضًا بدراسة علم التشريح أو علم وظائف الأعضاء أو الجينات الوراثية وبدأنا في التفكر والتدبر فهذا في حد ذاته عبادة من عبادات الله سبحانه وتعالى لأن هذا الخلق لم يُخلّق باطلاً بل هو دليل على وجود الله الواحد الأحد وهذه العلوم لا تتعارض مع الدين.
لذلك هناك نوعان من الآيات الدالة على وحدانية الله وهي (تنزيليه وتكوينية) ونختصرها في الآتي:
١-الآيات التنزيلية: -هي آيات القرآن الكريم التي أُنزلت وهي منبع للفكر والتدبر ويقظة للوجدان.
٢-الآيات التكوينية: -هي المخلوقات التي تدل في تكوينها على خالقها وإبداعه سبحانه وتعالى في هذا الخلق وسوف نُركز على النفس البشرية من هذه المخلوقات كما في الآية الكريمة.
أما الحقائق العلمية التي تأكدت بتقدم العلوم الحيوية للنفس البشرية فهي كثيرة جدًا وتزداد يوميًا بتقدم العلم وتدل على عظمة الخالق في الإبداع والإتقان في هذا الخلق، وسوف نتطرق لبعض الأعضاء المهمة في النفس على سبيل المثال وليس الحصر ومنها التالي:
أولاً: القلب: – هو أهم جهاز ويتوقف عليه حياة الإنسان وهو بحجم قبضة اليد وينبض بما يزيد عن مائة ألف نبضة دون توقف لينظم حركة الدم المحمل بالأكسجين والغذاء بالضخ من القلب إلى جميع أعضاء الجسم عبر الشرايين التي تربط القلب بالجسم بمعجزة إلهية في هذا الصنع العجيب الذي يدل على عظمة ودقة الخالق.
ثانيًا: الدم: – في كل نقطة دم يوجد خمسة ملايين كرة من كريات الدم الحمراء الحاملة للأكسجين وبها الهيموجلوبين (صبغة حمراء فيها الحديد) وهي تصل لكل خلية ونسيج وعضو لتمده بالحياة بفضل الله ومتوسط عمر كل كرة هو 120 يومًا تقطع فيها متوسط مسافة 1150 كم في شرايين وأوردة الجسم ورغم ذلك لا يشعر به الإنسان في هذه الدورة المتقنة.
ثالثًا: الدماغ: – يقع الدماغ داخل الجمجمة التي تقوم بحمايته وهو من أكثر الأعضاء البشرية المعقدة ويتكون من المخ والمخيخ وجذع الدماغ وتعمل جميع أجزائه الثلاثة على تنظيم عملية التنفس وضربات القلب ودرجة الحرارة والاستيقاظ والنوم والهضم والنطق والكتابة والتعلم والحركة والذكاء والتركيز وغيرها من الوظائف المعقدة.
رابعًا: الجلد :- هو جهاز استشعار الحرارة والبرودة للجو المحيط بالإنسان لحمايته، وهو أيضًا مصدر الإحساس، لذلك إذا أحترق الجلد يفقد خاصية الإحساس كما في قول الله تعالى في سورة النساء ” إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ” (الآية 56)، ويوجد تحت الجلد مكيفات للحرارة هي غدد العرق التي تفرز العرق عند ارتفاع حرارة الجو أو الجسم فيتبخر ويؤدي إلى خفض درجة حرارة الجسم، هذا بالإضافة إلى أن الجلد هو خط الدفاع الأول ضد الميكروبات .
خامسًا: العين: – هذه النعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها لأنها تقوم بمهمة الإبصار الضرورية في حياة الإنسان وهي التي تستقبل الضوء وتركزه في الشبكية ثم تحول الإشارات الضوئية إلى نبضات كهربائية عن طريق العصب البصري للدماغ لمعالجتها وحدوث الرؤية.
سادسًا: الأذن :- هل تعلم عزيزي القارئ أن هذه الحاسة هي الوحيدة في الإنسان التي لا تنام عند نوم جميع الأعضاء لذلك قال الله تعالى في سورة الكهف ” فَضَرَبْنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمْ فِى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ” (الآية11)، وهي دليل أن حاسة السمع خلقها الله لحماية الإنسان من المخاطر حتى عند النوم وذلك بنقل وتحويل الصوت إلى إشارات مفهومة للدماغ عن طريق أجزاء الأذن (الداخلية – الوسطى – الخارجية)، ولها أيضا وظيفة أخرى هي حفظ التوازن حيث تحتوي الأذن الداخلية على أعضاء خاصة تستجيب لحركات الرأس فتعطي الدماغ إشارات عن أي تغيير في وضع الرأس للمحافظة على التوازن.
سابعًا: الجهاز الهضمي: -ويتكون من عدة أعضاء حسب الترتيب الوظيفي لها: الفم – المريء – المعدة – الأمعاء الدقيقة – الأمعاء الغليظة – المستقيم – الشرج، وهناك أعضاء ثانوية محيطة به كالبنكرياس والمرارة والكبد والكليتين كل هذه الأعضاء تقوم بتلبية احتياجات الجسم من المغذيات التي يحتاجها من الطعام والشراب بطريقة منظمة ومرتبة ومتتالية تدل على صنع الخالق وإبداعه في هذا الجهاز المتكامل الوظائف.
ثامنًا: الجهاز العظمي: -يشكل هذا الجهاز 20% من وزن الجسم بعدد 206 عظمة وأوتار وغضاريف وأربطة ويقوم بالدعامة وحماية الأعضاء الداخلية والمساعدة في الحركة وإنتاج خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح في النخاع العظمي الذي يخزن الطاقة الموجودة في الأنسجة الدهنية التي يحتاجها الجسم.
ونختم بأن آيات الخالق عز وجل في النفس البشرية لا يمكن إحصاؤها، فبعض ٌمنها ظاهر والبعض الآخر لا يمكن التعرف عليه إلا بالإثباتات العلمية الحديثة أو القراءة أو عن طريق الأطباء المختصين فيها، ولعل من أكبر إعجازات الخالق في الإنسان ويستطيع الإنسان أن يلمسه فعليًا هي الحواس الخمس: البصر والسمع واللمس والشم والتذوق لما لها من فوائد عظيمة تثبت أن الله خلقه في أحسن تقويم كما قال تعالى في سورة التين ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ” فسبحان الله الذي تعددت معجزاته وتجلت دلائل قدرته في خلق هذه النفس البشرية.