“هل ستستخلص إسبانيا الدروس من الأحداث الاخيرة؟” بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني
إسبانيا ارتكبت خطأً فادحًا عندما استقبلت زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي بهوية مزورة، و تعمدت عدم إخبار السلطات المغربية بذلك، في تحد للعلاقات بين البلدين التي ينبغي أن تكون مبنية على التعاون والصدق والشفافية.
ولما طلب المغرب رسميًا من السلطات الإسبانية توضيحات حول استقبال المعني بالأمر، لم تقدمها هذه الأخيرة، وهذا إن دل على شيءٍ فإنما يدل على عدم احترام الدولة المغربية وسيادتها، ويظهر من ناحية أخرى ازدواجية إسبانيا في التعامل مع المغرب، تثني عليه كشريك استراتيجي لها و تطعنه من الخلف، كطعنة العدو.
ربما لم تستوعب إسبانيا أن مغرب2021م ليس هو مغرب ما قبل عشرين سنة، فلم يعد ذلك البلد كما ظل متخلفًا وتابعًا في مخيلة الإسبان مدة طويلة من الزمن، ثم إن المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، يتمتع بمصداقية ودور مؤثر على المستوى الدولي، وريادة شخصية معنوية وسياسية، وما على إسبانيا إلا أن تعيد النظر في حساباتها و علاقاتها مع المغرب على أساس أن تُكّون علاقات متكافئة يسودها الاحترام المتبادل و التعاون المشترك المبني على الصدق، كما ليس في صالح إسبانيا التضحية بعلاقتها وشراكتها الإستراتيجية مع المغرب لإرضاء الجزائر طمعًا في غازها، فتقلبات الدبلوماسية الإسبانية وعدم تجانس مواقفها تجاه المغرب قد تكون له تداعيات على العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في المجال الأمني و مكافحة الهجرة السرية.
فلطالما برهّن المغرب على حُسن الجوار والتعاون المثمر على عدة أصعدة، خاصة على صعيد الأمن ومكافحة الهجرة السرية، فعلى هذين المستويين، يلعب المغرب دورًا رائدًا، يحظى بإشادة واعتراف من طرف المجتمع الدولي، وعلى هذا الأساس، أصبح لازمًا على إسبانيا أن تعامل المغرب في إطار الشراكة المتكافئة و المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية.
ثم إن المغرب لن يظل ذلك الدركي الذي يحمي إسبانيا من تدفق المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، خاصة القادمين من دول جنوب الصحراء بأفريقيا، بناءً على الاتفاق الثنائي الموّقع بالعاصمة الإسبانية مدريد سنة 1992م بين المملكة المغربية والمملكة الإسبانية، بشأن تنقل الأشخاص والعبور وإعادة قبول الأجانب الذين دخلوا بصفة غير قانونية، وصدر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.12.64 في 10 ديسمبر 2012م ( منشور في الجريدة الرسمية عدد 6214، الصادرة بتاريخ 19 دجنبر ). وللتذكير، فإن الاتفاق وقعه عن المملكة الإسبانية وزير الداخلية آنذاك خوسي لويس كوركويرا كوسطا، وعن المملكة المغربية وزير الداخلية والإعلام آنذاك إدريس البصري.
وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على «أن تقوم سلطات الحدود للدولة المطلوب منها، بناءً على طلب رسمي لسلطات الحدود للدولة الطالبة، بإعادة قبول رعايا دول أخرى دخلوا بصفة غير قانونية فوق ترابها والقادمين من الدولة المطلوب منها». وبمُقتضى هذه المادة، فإنّ المغرب لا يكتفي فقط بقبول إعادة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من جنسية مغربية، والذين يتسللون إلى الأراضي الإسبانية، بل مُلزم بقبول جميع المهاجرين العابرين للأراضي المغربية في اتجاه إسبانيا، أيًا كانت جنسيتهم.
وجدير بالذكر أن السلطات الإسبانية سارعت إلى إضفاء طابع المشروعية على إعادة ترحيل المهاجرين الأفارقة، حيث أصدرت سنة 2014م قانونًا جديدًا، وهو عبارة عن تعديل لقانون سابق، يقضي بالإعادة الفورية للمهاجرين غير النظاميين، من الذين يتمكنون من بلوغ مدينة سبتة أو مليلية، ونشرت الجريدة الرسمية الإسبانية الوثيقة الختامية الرسمية من التعديل الأول بخصوص بعض فصول قانون الأجانب، الذي أصبح يخول للسلطات الإسبانية قانونيا الطرد الفوري للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يجتازون السياج الحدودي الشائك انطلاقًا من التراب المغربي.
هذا القانون الجديد المعدل لقانون الأجانب يكرس ما جاء في اتفاقية 1992م ويزيد من حجم الضغط على السلطات المغربية لقبول المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين المطرودين من سبتة ومليلية، مع العلم أن هذا القانون أثار قلقًا كبيرًا لدى الأحزاب السياسية الإسبانية المعارضة والمنظمات الحقوقية والهيئات الدولية المهتمة بحقوق المهاجرين، ومفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، ومجلس حقوق الإنسان لدى للأمم المتحدة، على اعتبار أنه غير قانوني وينتهك حقوق وحريات المهاجرين المكفولة في القوانين الدولية، ويتناقض مع الحق في طلب وضمان الحماية الدولية للمهاجرين غير الشرعيين على وجه الخصوص.
المغرب هو أيضًا عرّف في السنوات الأخيرة تدفقات كبيرة للمهاجرين غير الشرعيين، سواءً القادمين إليه من جنوب الصحراء عن طريق الجزائر ومالي وموريتانيا، أو الذين سيعاد ترحيلهم من إسبانيا نحو المغرب، ما سيترتب عن ذلك عدة مشاكل للسلطات المغربية تتعلق بتدبير ملف الهجرة وفقًا للإستراتيجية الوطنية للهجرة التي شرع المغرب في تنفيذها منذ سنوات، فلا الاتحاد الأوروبي و لا إسبانيا يقدمان مساعدات مالية للمغرب حتى يتمكن من مساعدتها على الحد من تدفق المهاجريين عليها.
لقد حان الوقت لإعادة النظر في اتفاق 1992م، لأن بعض مقتضياتها مخالفة للقانون الدولي من جهة، وتضر بمصالح المغرب من جهة ثانية، خصوصًا وأنها وقعت في فترة زمنية وفي ظروف سياسية معينة، تغيرت أسبابها في وقتنا الراهن.