“العدل والقانون” بقلم : د. أحمد بن صالح البرواني
تمر بنا الأيام ونشاهد من الأحداث ما يشيب لها الولدان ويحار فيها عقل اللبيب، ونرجع ونقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إيمانا بقضاء الله وقدره وتسليمًا لأمره وفعله ورضا بحكمته وعدله.
وهنا ليس لمؤمن أن يسأل اين عدل الله، لأن المؤمن موقن بأن الله عدل اسم وصفه فمن اسمائه العدل ومن صفاته العدل فهو العادل الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما.
ولكن يثور التساؤل عن العدل في القانون وخاصة القانون الدولي، وهو أمر من الصعوبة الإجابة عليه لاختلاف طبائع الدول واختلاف مذاهبها وتوجهاتها ومصالحها وكون هذه الأمور من النسبية بمكان في العلاقات الدولية، ومن عاش رأى وسمع.
لذلك لا بد من الارتكان للمبادئ التي تحكم العلاقات الدولية ولعل اهمها المصالح والقوة، فهما من يحددا توجهات المؤسسات الدولية نتيجة لتحكم القوة ولتراوح بقية الدول حسب مصالحها.
ولذا لا بد من وجود اتحاد فعلى وواقعي وفق النهج الرباني بين الدول الإسلامية وهي الراغبة في فرض توجهاتها على بقية الدول لتكون لها اليد الطولى والغلبة، وهذا ما يؤهلها لجعل الخلافة في الأرض وفق ما أراد الله.
واما العدل في الأنظمة الداخليه فهو مرتهن بوجود قانون موافق للشريعة الاسلاميه وبتطبيق مجرد من قبل الجهات المعنية بذلك، ولا ينفي ذلك ما تم النص عليه في الأنظمة الدستورية من ان الدولة إسلامية وأن الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع إذ ان هناك من القوانين ما يخالف شرع الله وهناك من الفساد في التطبيق بما يوجب غضب الله.
وأما من ناحية العدل الفردي فنحد ان بعض البشر متمسك بإقامة العدل ويبدأ بنفسه قبل أن يأمر غيره والبعض الآخر يود تطبيق العدل وبشدة على غيره فقط ولا يرضى بتطبيق العدل على نفسه، وهو ما يشير إليه المثل المعروف ما أشد الإنسان على أخيه الانسان، وحتى يتضح هذا الأمر فكم من شخص يخالف القوانين ويبرر لنفسه تلك المخالفات وفي نفس الوقت يتواصل مع السلطات ليل نهار لتطبيق القانون على غيره بشدة وبدون رحمة علما بانه يرتكب أشد المخالفات ويدعو للتشدد على غلطات بسيطه أو هفوات وهذا الأمر مخالف لقواعد الدين الحنيف التي تأمر الإنسان أن يبدأ بإصلاح نفسه ثم الأقرب فالأقرب.
وفي احدى زياراتي لاخ في دولة عربيه وعندما دخلنا مزرعته كان يتباهى بمكانته وبأنه تلاعب بالجهات المعنيه وحصل على هذه المساحة الكبيرة في هذا الموقع الحساس، وبعد ذلك كان ينقم على اناس حصلوا على مواقع أقل مساحة وأبعد عن الخدمات القريبة من مزرعته بداعي انهم حصلوا عليها بالمخالفة للقانون.
بل أن هناك من ذهب التأويل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفه ليدلل بها ضد غيره، ومن أعجب ما سمعت ان احد الخصوم طعن في عدل خصمه لكونه متزوح بأكثر من امرأة واستدل بقوله تعالى: { وَلَن تَسۡتَطِیعُوۤا۟ أَن تَعۡدِلُوا۟ بَیۡنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ..} [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٢٩]، فأي عدل يقام حينما تحرف الآيات والأحاديث عن نبل قاصدها.
هذا يقودنا الي ان العدل هو عدل الله الذي شرعه وأمر تطبيقه وأن كل شرع لا بد وأن يتبع هدي الله تشريعا وتطبيقا وإلا فلن يكون هنالك عدل مطلق وإنما عدل وفقا لأهواء ورغبات واضعي التشريع أو جهات التطبيق.
ولن يكون هنالك عدل بين الأمم والشعوب طالما ان المؤسسات الدولية تأتمر بأمر بعض الدول وللأسف نجد الازدواجية في المعايير بحيث يطبق النص التشريعي على دولة وشعبها ولا يطبق على دولة وشعبها ولو إقامة الدنيا بأكملها، وهذا ما يوجب على المسلمين الاتحاد وهو سبب القوة الداعمة للقيام بنشر دين الله ومبادئه في الأرض وبين الأمم والشعوب فالله أمرنا بنشر دينه القويم ومبادئه السمحه لتتحقق العدالة للجميع. من خلال التزام الناس كأفراد في المجتمع بالحق والعدل والتزامه كونهم واضعي ومطبقي التشريعات الوضعيه بالعمومية والتجريد، والتزام المؤسسات ال ولية بقواعد العدل والحق والانصاف بين الدول والشعوب.
وختاما فإن هناك من يرى بأن العدل في الأرض لن يقوم نظرا لطبيعة الإنسان الداعية للأنانية وحب نفسه إلا أن الدين الإسلامي ومبادئه تقوم على العدل والانصاف ولو على النفس تحقيقا للأمر المعروف قل الحق ولو على نفسك وفي التطبيق تحقيقا مقولة لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ فيه.
ارجو من الله العلي العظيم ان تكون هذه الكلمات في نصابها وأن ينفع الله بها وأن تكون سببا لرقي وتقدم الإنسانيه.