“الحرية في الأماكن العامة” بقلم: خالد عمر حشوان
الأماكن العامة هي الأماكن التي يجتمع فيها بعض أفراد المجتمع لأغراض مختلفة مثل الحدائق العامة، أرصفة المشاة ومساراتها، المساجد، الأسواق، الملاعب، السينما، المسارح، قاعات المحاضرات والأفراح وغيرها.
ولقد نشر الإسلام ثقافة احترام الطريق العام وأداء حقوقه مع ضبط سلوك الأفراد في تعاملهم مع المنافع العامة وما يصدر من البعض من أفعال غير مقبولة نتيجة عدم الوعي بحقوق الآخرين وعدم احترامهم وخير دليل لنا هو حديث المصطفى -صلى الله عليه وآلة وسلم- حين قال: ” إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرقاتِ» فقالوا: يا رسولَ اللهِ ما لنا مِنْ مجالسِنا بدٌ؛ نتحدَّثُ فيها! فقال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: « فإذا أبَيْتُم إلَّا المجلِسَ فأعطوا الطريقَ حقَّه » قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: « غضٌ البصرِ، وكفُّ الأذَى، وردُّ السَّلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكرِ ” متفقٌ عليه.
وفي الفترة الأخيرة أصبحت الأماكن العامة غير مستحبة نظرًا للمفهوم الخاطئ عند البعض عن الحرية فيها وذلك بممارسة سلوكيات غريبة على مجتمعنا الإسلامي ومنها على سبيل المثال لا الحصر عدم احترام جار المكان، إزعاج المارة، اللبس الخادش للحياء، رفع أصوات الأغاني والهواتف، إلقاء القاذورات في الطرقات (رغم وجود حاويات قريبة)، ترك الأطفال يمارسون إزعاج الغير، وقوف المركبات العشوائي واستخدام الأبواق، التطفل بالأسئلة والطلبات رغم عدم المعرفة، افتعال الشجار للمضايقة، التدخل في شؤون الغير، التعدي على ممتلكات الآخرين وعدم الإستئذان عند الحاجة.
كل هذه التصرفات مؤشرات واضحة لمفهوم الحرية الخاطئة والذي يعتبره هؤلاء الأشخاص هو الصواب في رأيهم وسوف نبدأ بتعريف الحرية السليمة (الصحيحة) والحرية الخاطئة وتوضيح الفارق بينهما للقارئ الكريم:
أولاً: الحرية السليمة :-
هي قدرة الشخص على اتخاذ قرارات تخصه بشكل مناسب دون تدخل من الآخرين وتؤثر في تصرفاته بالإيجاب وقد تكون: حرية التفكير أو حرية التصرف أو حرية التحدث وهي تعتمد على احترام الشخص لذاته أولاً ثم الآخرين والمجتمع والدين والعادات والتقاليد ويليها الأنظمة والقوانين.
ثانيًا: الحرية الخاطئة :-
هي فعل الشخص كل ما يراه هو، دون النظر إلى من حوله أو مراعاة شعورهم أو العادات والتقاليد في الدين والمجتمع ويمارس ما يحلو له بحجة الحرية الشخصية، وقد يكون سبب ذلك التقصير الواضح من الوالدين في تربية وتعليم الأبناء منذ الصغر على الأخلاق الفاضلة واحترام حريات الآخرين وانعدام الوازع الديني مع العادات والتقاليد لديهم.
وكي نُصحح مفهوم الحرية الخاطئة لدى البعض ونوجه المفهوم للصواب، لا بد من إتباع عدة خطوات للوصول للحرية السليمة وهي:
١- توعية الأبناء من قبل الوالدين منذ الصغر إلى أن التعدي على حريات الآخرين من السلوكيات الخاطئة والمكروهة وغير المقبولة لأن المنزل هو المدرسة الأولى للطفل والتي تؤثر في سلوكه وتصرفاته وفكره.
٢- تكثيف المحاضرات التوعوية في الروضة والمدارس والجامعات للفئة المستهدفة (الأطفال والشباب) الذين هم أجيال المستقبل لتوضيح حقوق أفراد المجتمع من واجبات وإلتزامات في الأماكن العامة.
٣- وضع عقوبات صارمة للتعدي والتجاوزات على حرية الآخرين في الأماكن العامة حتى لو كانت هذه العقوبات عملية مثل تنظيف الشواطئ أو المساجد أو الأماكن العامة كعقوبات مخففة وفعّالة ومفيدة للمجتمع.
٤- تحميل الوالدين المسؤولية الكبرى والعقوبة في حالة كان التجاوز من أطفال يصعب تطبيق العقوبات عليهم كصغر السن أو الجهل وذلك لمعرفة مسؤولياتهم تجاه الأطفال ومراقبتهم عن قرب في قوانين الأماكن العامة.
٥- تحديد مسافات كافية بين التجمعات في الأماكن العامة للحفاظ على الخصوصية والصحة واحترام الآخرين ولعل ما تعلمناه من جائحة كورونا كان درس يفيد في التباعد الاجتماعي للأفراد والعوائل في هذه الأماكن.
٦- تفعيل قانون الذوق العام في الأماكن العامة وذلك بوضع لوحات إرشادية واضحة وصريحة في مداخل هذه الأماكن، عن المخالفات والتجاوزات والعقوبات لقراءتها ومعرفتها من قبل مُرتادي هذه الأماكن والإلتزام بها.
٧- وجود مراكز متخصصة وأرقام تواصل لكل منطقة من مناطق التجمعات العامة لتقبل الشكاوى والملاحظات والتفاعل وعدم التساهل معها خاصة مع فئة الشباب كي تكون الأماكن العامة بيئة جاذبة للمجتمع.
٨- تشجيع الأفراد الملتزمين في الأماكن العامة وخاصة الفئة المستهدفة (الأطفال والشباب) بمكافآت مالية أو معنوية من أجل الحفاظ على حقوق الغير وتشجيع غير الملتزمين لاحترام الأماكن العامة ومرتاديها بثقافة ” المكان الذي تتركه اليوم سوف تحتاجه غدًا “.
٩- إيجاد أماكن مخصصة للمدخنين لعدم مضايقة مرتادي وزوار الأماكن العامة برائحة الدخان وإبعادهم عن نظرات الأطفال لعدم تعلم هذه العادة السيئة ولما للتدخين من آثار صحية وسلبية على الأفراد والمجتمع.
ورسالتي الأخيرة هي أن الأماكن العامة مشروع تنفق عليه كل الدول مشكورة أموال طائلة من أجل توفير بيئة مناسبة للترفيه ومتنفس لأفراد المجتمع لقضاء أوقات الفراغ والإجازات والبعد عن ضغوطات الحياة دون عائد مادي يذكر، وقد يكون بيئة طاردة لكثير من أفراد المجتمع بسبب عدم احترام البعض للأماكن العامة وحرية الآخرين وسوء استخدام المرافق والتجاوزات غير المقبولة من غير الملتزمين من المرتادين والزوار وعدم المحافظة على النظافة العامة وهو ما ينافي السلوك الحضاري وأسلوب التعايش بين أفراد المجتمع الواحد.