” إني صائم ” بقلم : علي محمد قاسم
من السنة النبوية أن يقول الصائم إذا أساء إليه أحد أو عاداه: (إني صائم)، وذلك صونا لصيامه، ومحافظة على أجره منه، لأن الصوم في الحقيقة، ما شُرع إلا لتهذيب النفس وتقويمها، لتسلك طريق الأخلاق الكريمة والآداب.
لكن المصيبة في زمن ضياع المعاني، أن يقول المسيء تلك العبارة، وليس ثمة شيءٌ أسوأُ من انقلاب الحقائق، عندئذٍ على الدنيا السلام، وكم من مسيء يظن نفسه عند الله محسنا، على حين أنه واهم مخدوع بالباطل، من حيثُ لا يشعر، يُزين له عمله السيئ، كما قال الله تعالى:(أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسنا).
فريضة الصوم تعلم المسلم معنى الإحسان، على نحو ما جاء في الحديث الشريف:(أن تعبد الله كأنك تراه)، وهذا الإحسان يُنبت في النفس شعور المراقبة، التي يستشعرها العبد مع خالقه جل شأنه، وقد عبر عنها النبي بلفظ الإحسان، ذلك لأنها تجعل المسلم يُحسن سلوكه وأعماله، في جميع معاملاته.
إن الصيام لذة روحية لا يشعر بلذتها إلا المحسنون الذين حُبب إلى نفوسهم الخير والحُسْن، وكرهوا الشر والقبح، أولئك الذين رُزقوا صفاء النفس، ونقاء السريرة، حتى إن من كان على هذا النحو، تزداد لذته بالصوم، بقدر استعداده النفسي لهذه اللذة، وكذلك هم الأنبياء، أطهر وأزكى الخلق نفوسا، وإن السيرة النبوية لتحكي لنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام، كان أحيانا يواصل الصيام ولا يفطر، غير أنه نهى الصحابة عن ذلك، وأبدى السبب قائلا ما معناه، أنه يختلف عنهم، فهو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، وهو تعبير مجازي، ومعنى يطعمه ويسقيه، أي أن الله يعينه ويقويه فلا يحس بالجوع والعطش، أو الإعياء، فكأنه أطعمه وسقاه.
ذلك لا يتحقق إلا بالاستعداد النفسي المتوفر في نفوس الأنبياء الكرام، وكذلك يكون فيمن شابههم أو قاربهم نفسا، ممن اقتدى بهم، وكذلك ما كان عليه نبي الله داود، عليه الصلاة والسلام، الذي وُصف صيامه بأنه أفضل الصيام، فكان يصوم يوما، ويفطر يوما، وذلك لا يطاق إلا ممن كان له الصيام لذة تستطيبها نفسه، وأين من تستطيب نفسه الصيام؟ فلنعترف صادقين أنها منزلة عالية ليس من السهل بلوغها، إلا على من أنعم الله على نفوسهم الزكية، ويسر لها بتوفيقه وعونه كل عسيرٍ صَعِبِ المنال.
ولنعترف صادقين أيضا، أن الكثير من الناس اليوم- عفا الله عنا- يستثقل صيام رمضان، وواقعهم يشهد أنهم يشعرون أن رمضان نهارُه طويل، وليله جميل، ولكن فلنذكّرْ، بأن شهر رمضان أيامٌ معدودات، كما وصف القرآن، ولنذكُر جميعا ما أعده الله للصائمين من جزيل الجزاء، وعظيم الثواب، مما لا يخطر على بال أحد، هذا فضلا عما للصيام من فوائد صحية تعود على الصائم في دنياه، فلعل في ذلك ما يجعلنا نحسن صيامنا، كما ينبغي أن يكون الصيام على الوجه المطلوب، وهو صيام القلوب والجوارح، لا صيام البطون فقط.ِ