“إضاءات حول نظريّات المنهج” اعداد: عائشة بنت محمّد العسيري – باحثة الدكتوراه تخصص الأصول الإسلاميّة للتربية بجامعة أم القرى
تقوم التربية بصفة عامة على عدة عوامل هي: المعلم، والطالب، والمنهج، والبيئة التعليمية، وفقدان أيّ من هذه العوامل يؤدي إلى خلل في التربية بأكملها، وعليه فإن أي نوع من التربية لا بد أن يكون له منهج مكتوب يوجه أهدافه، ويوجه محتواه، وهذا المنهج بالضرورة يكون متمثلاً في المعلومات والأنشطة التعليمية.
ومن مبررات وضع نظريّة للمنهج أننا إذا سلمنا بأن المنهج علم تطبيقي، يلعب دوراً مهماً وأساسيًا في إنتاج التربية المدرسية، أو التربية الجامعية؛ فإن النظرية عندئذ تصبح بالنسبة له هدفاً أساسيًا، فالنظريّة تمثّل هدفًا للمنهج؛ من أجل توجيه مفهومه، وإعداده، وتخطيطه، وتنفيذه، وتقويمه، ثم تطويره ومتابعته، أي: أنها توجه كافة عمليات المنهج، ويدفعنا ذلك إلى بيان مفهوم نظرية المنهج.
وقد جاءت عدة تعريفات لنظرية المنهج، كانت هذه التعريفات مختلفة تبعًا لاختلاف فلسفات من قام بتعريفها، وكذلك تبعًا لخبراتهم الشخصية العلمية والعملية.
فقد عرفت “هيلدا طابا” عام 1962 نظريّة المنهج بأنها: “طريقة لتنظيم التفكير حول قضايا مهمة، تخص تطوير المنهج مثل: مكونات المنهج، وأهم عناصره، وكيفية اختيارها وتنظيمها، وإصدار القرارات؛ سواء أكانت هذه القرارات منهجية مرتبطة في محتوى المنهج، أو قرارات تعليمية ترتبط بالمنهج بصورة أو بأخرى، وكذلك كيفية ترجمة المعلومات والمعايير النابعة من هذه المصادر؛ من أجل اتخاذ القرار المنهجي السليم.
كما أوضح “جون وشاس” عام 1969 أن نظريّة المنهج هي مجموعة المعتقدات التي يتبناها الفرد، ويستخدمها كقاعدة لقراراته الخاصة بتطوير وتنفيذ المنهج، وتشتق هذه المعتقدات بمبادئ الفكر الفلسفي والاجتماعي المتداخلة، ومن النظرة المتعلقة بطبيعة البناء المعرفي أيضا.
أما “بو شامب” عام 1973 فقد عرف نظريّة المنهج بأنها: مجموعة من العبارات المترابطة، التي توضح طبيعة المنهج المدرسي؛ فهي تبين العلاقات السائدة بين عناصره المختلفة، وتوجهها نحو تطويره، واستخداماته، وتقويمه.
ولعلي استعرض بنظرة سريعة نظريات المنهج، والتي تتباين اهتماماتها، فكل نظريّة تركّز على جانب معيّن في مجال المنهج:
فالنظرية الموسوعية أو نظرية دوائر المعرفة اهتمت بالمعرفة الشاملة من أجل تنوير العقل، وحشوه بالمفاهيم والمعلومات والأفكار والخبرات، أما النظرية الجوهرية فقد ركزت على عناصر أو أشياء جوهرية أو أساسية، يجب أن يعرفها الجميع وهذه الأشياء يجب إتقانها ويجب انتقاؤها بعناية وحرص من التراث الثقافي، على أن يكون للمعلم دوره الأساسي في هذا المجال.
بينما حولت النظرية العملية أو البراجماتية الاهتمام إلى الفرد أو المتعلم، وجعلته هو المركز للعملية التعليمية، وجعلت كل الاهتمام منصرفًا إلى تعليمه، وإلى إصلاحه، وإلى إكسابه بالمهارات والمعارف والخبرات، وإلى تنمية مهاراته العملية، وإلى دفع عقله إلى الإبداع والتفكير والتعلم، والتأمل، فجعلت التلميذ مركزًا تتمركز حوله العملية التعليمية، وكذلك المنهج الدراسي، وحولت التركيز من المادة الدراسية إلى المتعلم.
أما النظرية البوليتكنيكية “الفنون المتعددة” فقد حولت الاهتمام إلى المجتمع بدلاً من الفرد، وذلك عن طريق ربط عملية التعلم بالعمل الإنتاجي من أجل رفاهية المجتمع، معللين بأن الفرد ما هو إلا لبنة، وواحد من بين أفراد المجتمع، فإذا حدث رفاهية وتقدم ونفع للمجتمع عم الفرد بالضرورة، وهذا مفهوم عليه تحفظات كثيرة، وتلك وجهه نظر مردود عليها بكثير من السلبيات التي صاحبت هذه النظرية.
والخلاصة: أن تلك النظريات تتفاوت في اهتمامها بالتركيز على واحدة من القضايا الثلاث: وهي المعرفة والفرد والمجتمع، وتلك الأمور الثلاث والقضايا الرئيسة ينبغي الاهتمام بها، ووضعها موضع الاعتبار عند بناء المناهج الدراسية وتنفيذها.
وأخيرًا فإن ما حبا هذه النظريات، وما دار حولها وما اعتراها من إيجابيات وسلبيات، كان دافعًا وحافزًا وعاملاً مؤثراً لعلماء المناهج وطرق التدريس إلى أن يتبنوا نظرية عامة، ونظرية شاملة ومتقنة وعادلة لبناء المنهج، على أن تكون هذه النظرية مراعية لكل حاجات ومتطلبات المعرفة، بما هي فيه من ثورة معرفية هائلة، نتجت عن التقدم والتطور في أدوات وأساليب وأشكال الاتصال، والتعدد في أوعية المعلومات المختلفة، والثورة في الكتابة، وفي القراءة، وفي التعلم، والتأليف، والنشر، والترجمة، وغيرها.
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى بناء نظرية عامة وشاملة، تربط بين الماضي والسابق، وتأخذ حاجات الفرد، وحاجات المجتمع، وحاجات البيئة، وحاجات كافة أفراد المجتمع في الحسبان؛ من أجل بناء منهج عادل وقوي، ومن أجل التقدم والازدهار، فكانت نظرية المنهج الإسلاميّة، التي تنطلق من التصور الإسلامي للكون والإنسان والمجتمع والمعرفة، وتسعى إلى إعداد المتعلم إعدادًا كاملًا في جميع النواحي، وفي جميع مراحل حياته، في ضوء المبادئ والقيم، وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي جاء بها الإسلام.