مقالات

“أسباب إفلاس الشركات المساهمة” بقلم: المستشار د. طارق بن حسن أحمد كوشك عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز – قسم المحاسبة

نشهد هذه الأيام حدثًا غير مسبوق نتج عن جهود عظيمة بذلتها كل الجهات المعنية تمثل في تأسيس تسع شركات مساهمة دفعة واحدة متخصصة في خدمة ضيوف الرحمن القادمين من خارج المملكة العربية السعودية، هذا التأسيس سيشهد انتخابات أعضاء مجالس إدارات هذه الشركات التسعة، مما يثير سؤالاً في منتهى الأهمية وهو: هل هذه الانتخابات هامة أم أنها مثل سابقاتها من الانتخابات التي كانت تحدث عند انتخاب أعضاء مجالس إدارات مؤسسات أرباب الطوائف؟ لمعرفة أهمية وخطورة هذه الانتخابات الحالية، فيجب أولاً أن نعرف أسباب إفلاس الشركات المساهمة بشكل عام، ثم الانطلاق بعد ذلك للإجابة على سؤال مفاده: ماذا سيخسر مؤسسي هذه الشركات إذا ما أفلست لا سمح الله بسبب أعضاء مجالس إدارات شركاتهم غير الأكفاء؟ بمعنى آخر هل سيحرم مساهمي هذه الشركات (المطوّفون سابقًا) إلى الأبد شرف خدمة ضيوف الرحمن بسبب إفلاس شركاتهم؟ هل سيكون لهم عوائد سنويًا كما هو الحال حاليًا إذا ما أفلست شركاتهم؟ هذه الأسئلة مهمة وتحتاج إلى توضيح تفصيلي سيتم على مراحل نظرًا للمساحة المتاحة للمقال الصحفي، لذلك سوف أجيب عليها في مقالين متتاليين إن شاء الله، أما في هذه المقالة فسوف أناقش أسباب إفلاس الشركات المساهمة بشكل عام.

يحدث إفلاس الشركات المساهمة حين لا تمتلك الشركة المساهمة القدرة على سداد ديونها، أو إذا تجاوزت خسائرها أكثر من 75% من رأس مالها، مما يجعل قيمة أسهم تلك الشركة تعادل الصفر تمامًا نتيجة الإفلاس.

يُرجع إفلاس الشركات المساهمة إلى العديد من الأسباب والعوامل، لعل من أهمها على سبيل المثال:

1. ضعف مجالس إدارات الشركات المساهمة الناتج عن ضعف خبرة و علم أعضاء مجالس إداراتها في التخصصات العلمية اللازمة لإدارة أي شركة مساهمة (مثل القانون والمالية والاقتصاد والإدارة وتقنية المعلومات والتخطيط الإستراتيجي وإدارة الموارد البشرية والمحاسبة وغيرها من العلوم التخصصية)، وكذلك ضعف مجالس إدارتها في استكشاف وإدارة المشاريع الإستثمارية المربحة سواء أكانت تجارية أو صناعية أو خدمية، هذا الضعف في الخبرة و العلم ينتج عنه إصدار سلسلة من القرارات السيئة، التي تؤدي إلى تحقيق خسائر تسهم في عدم قدرة الشركة على دفع الأموال والإلتزامات التي عليها إلى الدائنون والمقرضون، وبالتالي إفلاسها.

2. عدم قدرة معظم أعضاء مجالس الإدارات غير الأكفاء (بسبب عدم علمهم أو عدم خبرتهم) على التعامل مع التغيرات غير المتوقعة في بيئة الأسواق التي تعمل بها الشركة المساهمة، مما يؤدي إلى انخفاض مبيعاتها، مثلما حدث لشركة «بلاكبيري» بعد ظهور منافسين أقوياء مثل شركتي “أبل” و “اندرويد”.

3. عدم الإهتمام الكثير من أعضاء مجالس الإدارات بالبحث والتخطيط لتحديد وفهم السوق والعملاء وعادات الشراء لديهم، إن هذه المهام تتطلب لإنجازها كما ينبغي شهورًا من البحث والتخطيط، وذلك للإجابة بدقة على كثير من الأسئلة مثل من هم العملاء؟ كيف تسير المنافسة في هذا القطاع؟ ما المجموعة التي ينبغي استهدافها من المستهلكين؟ ما سياسة التسعير الملائمة للعميل والسوق المستهدفين؟ للأسف الشديد دومًا ما يستهين كثيرٌ من أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة غير المختصين بأهمية البحث والتخطيط على اعتبار أنها مهام مكلفة وأن خبرتهم الشخصية في اعتقادهم كافية للإجابة على كافة الأسئلة المحتملة، فتكون النتيجة قرارات خاطئة وخسائر متراكمة وإفلاس مؤكد.

4. ضعف القيادة التنفيذية بسبب مجاملة أو ضعف قدرة غالبية أعضاء مجالس الإدارات المؤتمنين في اختيار المدير التنفيذي للشركات المساهمة. هناك بعض المواصفات والصفات والمؤهلات التي ينبغي توافرها في المدير التنفيذي للشركة حتى يتمكن من قيادتها نحو النجاح، مثل الخبرة وفهم طبيعة أعمال الشركة، والقدرة على التفكير تحت الضغط، والقدرة على تحديد الأولويات، واتخاذ القرارات الصعبة، القدرة على التعامل بفعالية مع وجود النقد، إضافة إلى القدرة على الإلهام والتحفيز. للأسف الشديد فإن كثيرًا من أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة يرفضون عن جهل تعيين مدير تنفيذي كفؤ للشركة بحجة ارتفاع راتبه وأن وجوده في ظل وجودهم في إدارة مجلس الإدارة (وهم الخبراء في اعتقادهم) ليس ذي أهمية فتكون النتيجة تعرض الشركة لمشاكل عديدة بسبب إنعدام أحد أهم أساسيات القيادة السليمة في الشركات المساهمة المتمثل في وجود مدير تنفيذي ملهم.

5. عدم قدرة أكثرية أعضاء مجالس الإدارات في تحديد التدفق النقدي اللازم في الشركات المساهمة المفلسة، فعلى سبيل المثال قد لا يدرك أعضاء مجالس الإدارات غير الأكفاء حجم الأموال التي تحتاجها الشركة المساهمة من أجل استمرار وجودها، فقد يبالغون في أو يقللون من الأموال اللازمة لمشاريع الشركة ما يجعلهم يتخذون قرارات خاطئة تؤدي إلى (أ) عدم استغلال الأموال المتاحة للشركة أفضل استغلال أو (ب) تعرض الشركة لخسائر فادحة تؤدي إلى الإفلاس.

6. عدم قيام غالبية أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة بسبب عدم كفائتهم بتبني نموذج العمل الأكثر ملاءمة للشركة المساهمة، نموذج العمل هو الطريق الإستراتيجي الذي من خلاله تتطور الشركة، فإن كان نموذج العمل محفوفًا بالمشاكل، فإن عمل الشركة سيكون معرضًا للمخاطر، إن من أهم المشاكل التي يمكن أن تواجه نموذج العمل ما يلي:

(أ) مشكلة السوق المشبعة: في بعض الأحيان يحاول غالبية أعضاء مجالس الإدارات في الشركات المفلسة محاولة وصول الشركة إلى مستهلكين لا يحتاجون أكثر من منتج معين موجود في السوق من الأساس، وبذلك تواجه الشركة صعوبات من أجل إيجاد قاعدة عملاء مما قد يكبدها خسائر تؤدي إلى إفلاسها.

(ب) مشكلة وجود كثير من المنافسين: فكلما كان السوق ممتلئًا بالمنافسين كلما صار أصعب على الشركات المساهمة أن تحصل على حصة من ذلك السوق، وقد تكون المنافسة قوية للغاية تدفع بالشركات الجديدة إلى الخروج من السوق بسبب عدم قدرتها على المنافسة، ومع ذلك يصِر كثيرٌ من أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة على الدخول إلى ذلك السوق بصرف النظر عن عدد المنافسين وقوتهم.

(ج) مشكلة صعوبات الدخول إلى السوق: يعتقد كثيرٌ من أعضاء مجالس الإدارات غير الأكفاء أنه لا يصعب الدخول إلى بعض القطاعات بسبب متطلبات قانونية أو تكاليف البدء المرتفعة، مما يجعل عملية الدخول نفسها بالنسبة للشركات المساهمة مكلفة جدًا ماليًا مما قد يكبدها خسائر لا قبل لها بها من قبل حتى أن تبدأ.

(د) مشكلة سرعة تنفيذ الأفكار السيئة: يعتقد كثيرٌ من أفراد مجالس إدارات الشركات المساهمة المفلسة أن لديهم فكرة أو أفكارًا إستثمارية رائعة وأن منتجاتهم ستحقق نجاحًا كبيرًا بمجرد دخولها إلى السوق، لكنهم لا يأخذون الوقت الكافي لدراسة ذلك السوق المستهدف أو اختبار المنتج على نحو فعّال مما قد يكبد الشركة خسائر تؤدي إلى إفلاسها.

(هـ) مشكلة صعوبة التنفيذ: قد يكون غالبية أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة متفائلين جدًا بخصوص منتج أو منتجات شركتهم، من دون أن يدركوا صعوبة تنفيذها على أرض الواقع لعدم توافر الموارد أو المواد أو المواهب اللازمة لمواصلة مسيرتها مما يكبد الشركة خسائر تؤدي إلى تآكل رأس مال الشركة.

(و) مشكلة قدم أو تقادم التقنيات المستخدمة سواءً في الإدارة أو الإنتاج: قد لا يفهم كثيرٌ من أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة أهمية التكنولوجيا وأنظمة الحوسبة في تنفيذ الأعمال، وفي مساعدة الشركة على توفير ملايين الريالات، مما يجعلهم يتخذون قرارات المنافسة والعمل بتقنيات قديمة قد تفقد الشركة القدرة على التنافس، مما سيسهم في الخروج التدريجي لشركاتهم من السوق وبالتالي إعلان إفلاسها.

(ز) مشكلة التغيرات الاقتصادية المستمرة في بيئة عمل الشركات المساهمة: تؤدي التغيرات الاقتصادية في بيئة العمل إلى صعوبة بقاء الشركات المساهمة، لعل من أهم هذه المشاكل الاقتصادية هي التغيرات في إنفاق العملاء المستهدفون بسبب تغير ما يملكونه من أموال وبالتالي تغير اتجاهاتهم نحو المنتجات المرغوبة، للأسف فإن غالبية أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة المفلسة لا يأخذون هذا العامل مأخذ الجد فيكبدون شركاتهم خسائر تؤدي إلى إفلاسها.

(ح) المشاكل القانونية: إن المشاكل القانونية التي قد يتسبب فيها الأعضاء غير الأكفاء في مجالس إدارات الشركات مع الغير، مكلفة للغاية ويُمكن أن تتسبب في إفلاس الشركة، فمن أمثلة المشاكل القضائية ما يمكن أن يرفعه العملاء والجهات ذات العلاقة على الشركة بسبب ما لحقهم من ضرر نتيجة عدم الوفاء بالتزاماتها تجاههم،لقد لوحظ على كثير من الشركات المساهمة المفلسة دخولها في قضايا ومشاكل قانونية بسبب التزامات مالية أو قانونية التزم بها عن جهل غالبية أعضاء مجالس إدارات الشركات المفلسة.

هذه المشاكل إن لم يكن لدى مجالس الإدارات العلم والخبرة الكافيتان للتعامل معها وتفاديها ومنعها من التأثير على إيرادات ونفقات وأرباح الشركات المساهمة فسيكون مصير تلك الشركات تحقيق خسائر فادحة تؤدي إلى إفلاسها.

خلاصة القول.. إن أسباب إفلاس الشركات المساهمة كثيرة جدًا ومتعددة ومتنوعة نظرًا لتداخل العوامل والمخاطر التي تعمل في ظلها الشركات المساهمة التي بطبيعتها تختلف عن المؤسسات الفردية وشركات الأشخاص، وعلى الرغم من هذا التعدد والتنوع والتداخل إلا أن المختصين أجمعوا على أن أعضاء مجالس الإدارات هم العامل المشترك بين نجاح أو إفلاس الشركات المساهمة، فإن كانوا مؤهلين علميًا وأكفاء عمليًا (الخبرة) استطاعوا النجاة بعد الله بالشركات التي يديرونها وحققوا الأرباح التي ستسعد الملاك الذين ائتمنوهم على أموالهم، أما إن كانوا غير مؤهلين ولا أكفاء فسيسهمون في إفلاس الشركات التي يديرونها وخسارة الملاك لأموالهم وخروجهم من الأسواق الواعدة التي كانت متاحة أمامهم (مثل سوق خدمة ضيوف الرحمن)، وهذا يقودنا إلى إثارة سؤال في منتهى الأهمية مفاده: ما هي الأثار السلبية المتوقعة لإفلاس إحدى شركات أرباب الطوائف المزمع إنشاؤها؟ المقالة القادمة إن شاء الله ستجيب على هذا السؤال المشروع والهام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى