“الرفق والرفيق” بقلم : على محمد قاسم
أعتقد أننا جميعاً في حاجة إلى الرفق، الرفق الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه. ونحن نود بالطبع أن تزينَ حياتنا، ويزينَ كلُّ شيءٍ فيها، لعل في الزَيْن، ما يزيل عنا وحشة الدنيا، ويخفف هموم المعاش، ويزيح عن كواهلنا آصار التكاليف.
الناس يعانون ومعاناتهم ليست بالقليلة، وما من مخلّص لهم ينقذهم لو عقلوا سوى الرفق، يرافقونه في رحلة حياتهم، وهو نِعمَ الرفيقُ، فليكونوا هم أيضا نعم الرفقاء، يتعاطون الرفق فيما بينهم، ولا يتخلون عنه بحال، ما داموا مستطيعين مرافقته، ومصافحة يده.
إن موعظة رسول الله تلك، ترغيب فيما يصلح معاملة الناس مع بعضهم بعضاً، ويرقّيها لتكونَ معاملة طيبة زكية، ومن الحق أن نذكر أن دين الإسلام عبادات ومعاملات، أذكّر بهذا لأنه فيما أرى، ثمة سهو يغشَى بضبابه الأذهان لدى المتكلمين في الدين، ولدى المتدينين، فيجعلهم لا يلتفتون إلا إلى جانب العبادات، وتركيز خطابهم في شؤونها، والاعتقاد أنها كل شيء في الدين، وإغفال جانب المعاملات، وعدم الاحتفال بها، وكأنها أمر هامشيّ، لا يرتقي بقيمته، فيحلَّ مقام الصدارة، مع أن صلاح المعاملات هو اللُّباب الذي تريد تعاليم الشريعة أن تبلّغه للناس وتهيئه لقلوبهم، حتى تتشرّبَه.
لا نريد الاستشهاد بأدلة من القرآن والسنة، على خطورة المعاملات ومنزلتها، وما جاء في فضائلها، فإن ذلك يقتضي إيراد جلّ آيات القرآن، وأحاديث السنة، ولكن كما يقال: ما لا يُدرك كله، لا يترك جله. ويكفي هنا أن نستشهد بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم). ولا سبيل لتحقيق السلامة من اللسان واليد، وتحقيق الأمانة على الأموال والأنفس، غير الخلق الكريم والرفق.
إذا قمت بحق، فقم به برفق.
وإذا أديت واجباً فأده برفق.
وإذا أخذت أو أعطيت، فأخذ واعطِ برفق.
وإذا بعت أو اشتريت، فبع واشترِ برفق.
وإذا قلت نعم أو لا، فقلهما برفق.
وثق واطمئن، أن النجاح والتوفيق، لا شك من نصيب الرفيق.
ألا نحب أن نرى رفق الوالدين بولدهما، ورفق المعلم بتلميذه، ورفق الطبيب بمريضه، ورفق الرجل بامرأته، ورفق المرأة برجلها، ورفق الصديق بصديقه، ورفق الزميل بزميله، ورفق الجار بجاره.
أرانا الله الرفق مبتسما ضاحكاً، حيثما رحنا وحللنا وارتحلنا، كما نرى الشمسَ والقمر والنجوم والأشجار والأزهار والأنهار.