“لا تسخر من أحد” بقلم : د. أحمد بن صالح البرواني أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية البريمي الجامعية
أعزائي أتشرف بالكتابة إليكم وهذه المرة اخترتُ لكم هذا العنوان وهو عنوان عظيم وبالغ الأثر، وقد اطلعت على قصص كثيرة كانت الخاتمة فيها أليمة، ولأن الله حذرنا من السخرية في مواضع كثيرة، حيث قال تعالى: (زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا وَیَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۘ وَٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ) [سورة البقرة 212]، وقال تعالى: (بَلۡ عَجِبۡتَ وَیَسۡخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا۟ لَا یَذۡكُرُونَ وَإِذَا رَأَوۡا۟ ءَایَةࣰ یَسۡتَسۡخِرُونَ)[سورة الصافات 12 – 14]، وقال تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ)[سورة الحجرات 11].
فالسخرية مجرّمة في الشريعة الإسلامية وفي القوانين والتشريعات الجنائية وحتى في العادات والتقاليد العربية الأصيلة، ومن لُطف الله أن جعل ذلك محرمًا بنصوص كثيرة في الكتاب العزيز.
إن السخرية تفقد المجتمع التميز والريادة، وتؤدي بمن يتأثر بها لأن يكون منحطًا في الفكر ووضيعًا في الهمة لأن الساخر منه قد وضعه في موضع الإحتقار وخفة العقل والبلاهة وهو صدق ذلك.
والواجب على كل مسلم أن يتجنب السخرية من الآخرين، لئلا يصيبه وعد الله تعالى، وفقًا لما جاء في قوله تعالى لسيدنا محمد: (وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِینَ سَخِرُوا۟ مِنۡهُم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ)[سورة الأنعام 10]، وقوله تعالى: (ٱلَّذِینَ یَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِینَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ فِی ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلَّذِینَ لَا یَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَیَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ)[سورة التوبة 79].
فكم من شخص أراد الدراسة فسخروا منه، فترك الدراسة.
وكم من امرأة متزوجة سخروا من زوجها بسبب شكله أو بياض شعره أو نحو ذلك فطلبت الطلاق، وعاشت بقية حياتها مطلقة فلا هي بقت لزوجها ولا هم زوجوها أو تزوجوها.
وكم من موظف أراد التطوير والتجديد في عمله ولكن كره عمله ومسؤوليته وزملاءه في العمل، بل وترك وظيفته، وعندما وجد الإهتمام في مكان آخر طور وأبدع وحلق بمؤسسته لمركز نالت به التقدم والتمكين الإستراتيجي في مختلف المجالات.
وكم من مبدع أراد إظهار بعض أفكاره وابداعاته فسخروا منه، فتحطمت نفسيته وأضاع على نفسه ومجتمعه الإستفادة من مواهب وهبها الله إياها فلا خدم نفسه ولا خدم أهله ومجتمعه، وهناك الكثير والكثير من مثل هذه القصص.
إن الواجب علينا الإقتداء بسيدنا نوح عليه السلام، حيث امتدحه الله بصنيعه، فقال عز من قائل: (وَیَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَیۡهِ مَلَأࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ)[سورة هود 38]، والإقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث لم يستسلم للشانئين والمبغضين بل ازداد عزمًا واصرارًا ومضى.
إنني أُهيب بنفسي وبأخوتي أن نكون مشاعل علم وعمل وأن نترفّع عن كل ما من شأنه قتل المواهب والأفكار، من أجل طاعة الله وطاعة رسوله وبناء الإنسان والأوطان والإستفادة من كل الطاقات والمواهب لبناء مستقبل أسعد وأهنأ، مستقبلاً زاهيًا مجيدًا مستقبلاً قويًا واعدًا بكل خير وتقدم.