إذا عُرف السبب بطل العجب بقلم : إسحاق الحارثي
مقولة متداولة بين الناس منذ عقود وأزمنة طويلة نستخدمها إلى يومنا هذا يدرجها البعض في خانة الأمثلة الشعبية ويدرجها الآخر ضمن المقولات والحكم التي تؤخذ منها العِبر، ولعل هذه المقولة أو الحكمة مرتبطة بموضوع تفسير العجب أو الاستغراب بعد أن تتضح الصورة والرؤية عن مسبباتها والخلاف أو الجدل الدائر عليها وبعد معرفة غايتها ومسبباتها يبطل حينها العجب.
بداية لابد من تسجيل كلمة شكر وإشادة بكافة الجهود التي تقوم بها وزارة الصحة على مستوى جميع الخدمات التي تقدمها، بل كلنا ثقة من خلال العمل الدؤوب الكبير وما يصاحبه من خدمات إنسانية تقدم لكل من يعيش على تراب هذا الوطن الغالي وفي جميع أراضيه العزيزة لهو محل إجلال وتقدير واحترام لجميع العاملين بالوزارة وهذا ينم عن الاستراتيجية والخطط الدؤوبة التي تنتهجها الوزارة من أجل مجتمع ذو نمط صحي سليم وبيئة صحية مستدامة.
موضوع السفر خارج السلطنة للعلاج سبق وأن طُرح في كتابات ومقالات عديدة إلا أن الحالات والأرقام لازالت تتنامى وتكبر وأعداد المرضى ترتفع بأرقام كبيرة يوماً بعد يوم بحثاً عن صحتهم المفقودة بين أدراج المواعيد وبين التردد على المستشفيات من طبيب إلى آخر على أمل معرفة أسباب المرض ومابين الحصول على التشخيص الناجع وصولاً للعلاج المجدي ناهيك عن قضية المواعيد البعيدة التي تُحدد للمريض الذي يعتصر تحمُل انتظار ذلك الموعد ومنهم من لا يستطيع مقاومة قساوة المرض الذي يعاني منه في سبيل انتظار الموعد الذي *تموت وتحيا أمة* دون أن يأتي ذلك الموعد، هذا إذا ماتمت زحلقته بطريقة أو بأخرى لمقابلة نفس الطبيب أو طبيب آخر في نفس التخصص بمستشفى خاص للحصول على موعد قريب ولعل هذا من الأسباب التي تسهم وبحد كبير في موضوع السفر للخارج إذا ما عرفنا أن فاتورة العلاج في المستشفيات الخاصة بالسلطنة أصبحت مزادا مفتوحا بين المستشفيات كُل يُحدد قيمة تكلفة فاتورة العلاج حسبما يراها ويقررها دون التدخل من أي جهة مشرعة أو رقابية للحد من ذلك أو دون تعرفة ثابتة موحدة معتمدة.
لا تحضرني إحصائية أرقام المرضى من يسافر بحثاً عن العلاج في الخارج حيث يصعب تحديد رقم معين سيما إذا لم يكن الإبتعاث بشكل رسمي ووفق خطوات متبعة ومعتمدة تقوم بها جهات معينة، إذ أغلب حالات السفر للعلاج بالخارج تعد حالات شخصية والبعض لا يحبذ الإفصاح عنها للأسباب التي ذكرت في سياق هذا المقال، لذلك ليس هناك رقم يذكر تم الإعلان عنه إذا ما عرفنا أيضاً أن بعض الدول لا تتطلب تأشيرة دخول لأراضيها مثل دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض من دول البلقان، في حين تقدم بعض الدول تأشيرة الدخول لأراضيها في المطار عند الوصول إليها مثل مملكة تايلاند وبعض الدول الأخرى، وتكاد تكون قليلة تلك الدول التي تتطلب معرفة ذكر أسباب الزيارة إذا ما كان السفر للعلاج أو خلافه حين التقدم لطلب تأشيرة الدخول إلى أراضيها مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة أو باقي الدول الأوروبية وجمهورية الهند، هذه هي تقريباً أغلب الدول التي يُشد الرحال إليها بحثاً عن العلاج.
في الآونة الآخيرة وبحكم ما يصلنا عبر منصات التواصل الإجتماعي من حيث نشر يوميات للمرضى بداخل المطارات أو المستشفيات أو من خلال الدعايات التي يسوقها المروجون وبائعو الإعلانات للمستشفيات أو المصحات الطبية بخارج السلطنة، نلاحظ تصاعد تلك الأرقام بشكل يومي وبأعداد كبيرة مع نجاح الترويج والتسويق لتلك الوجهات أو من خلال تجارب يرويها وينقلها إلينا بعض من مر بتجربة ناجحة ومثلما يقول المثل *“اسأل مجرب ولا تسأل طبيب”*.
لعلنا نتساءل من خلال هذا المقال هل تدرك وزارة الصحة تزايد هذه الأرقام؟
وهل يؤرقها مدى مستوى جودة الخدمات التي تقدمها للمرضى والمراجعين في هذا الجانب؟!!! وما هو اهتمام الوزارة بهذا الموضوع ومدى حرصها على معرفة الأسباب التي أدت إلى تزايد طلب العلاج في الخارج؟
بدون شك يبق مجال الحرية الشخصية خيار متاح دون وصايا لمن هو قادر على ذلك ولكن في الجانب الآخر ألا يُعد ذلك نوع من أنواع فقد الثقة التي تسعى الوزارة جاهدة لترسيخها على مستوى الخدمات التي تقدمها؟!!!
وهل درست الوزارة تلك الحالات أم أنها لا تكترث ولديها من المسؤوليات الجسام التي تشغلها عن ذلك، بل ربما يذهب قائل أن تلك الأرقام تعد عبئاً على الوزارة وفي حالة سفرها للخارج يقل الضغط على الوزارة.
إن تطبيق نظام قياس مستوى رضا المرضى و المراجعين عاملا مساعدا في تحسين مستوى الخدمة المقدمة من خلال عمل استبيان بسيط يوزع على المرضى والمراجعين بعد كل زيارة للمستشفى عبر البرامج والتطبيقات المستخدمة في هذا الجانب أو من خلال رسالة نصية قصيرة مجانية كما هو الحال في رسائل تحديد مواعيد زيارة المستشفيات والعيادات التخصصية يتم من خلاله تحديد النقاط التي من شأن الوزارة التعرف على مدى رضا المرضى والمراجعين عن الخدمات التي تقدمها ابتداء من المواعيد والتشخيص والعلاج والأدوية أو الخدمات اللوجستية الأخرى أو أي أسباب ترى من المناسب طرحها في الاستبيان. بدون شك هذا النظام ليس بغائب عن المسؤولين في أقسام تطبيق معايير الجودة الصحية بالوزارة وربما يطبق على مستوى داخلي كما هو الحال في المستشفيات والعيادات الخاصة داخل وخارج السلطنة، هذا النظام سوف يتيح للوزارة التعرف على أمور عديدة تستطيع منه تحليل تلك البيانات التي تحصل عليها والوقوف عند النقاط التي تسهم في رفع مستوى خدماتها والعمل على مراجعة السياسات والإجراءات التي تطبقها والمتبعة في ذلك الشأن.
خلاصة هذا المقال نتمنى أن لا تنطبق مقولة *“إذا عُرف السبب بطل العجب”* في سبب لجوء المُقتدر و غير المُقتدر مادياً السفر للعلاج بالخارج وأن لا تكون الأسباب غير منطقية وتندرج تحت انخفاض مستوى الخدمات بل نتمنى أن تكون بيئتنا الصحية بيئة جذابة تحتوي وتحتضن جميع المرضى والمراجعين يضرب بها المثل ويقصدها القاصي والداني كما هو الحال عند تلك الدول المتقدمة طبياً وأن لا يؤخذ علينا انطباعاً سلبياً عن خدماتنا الصحية من خلال هذه الأرقام المتزايدة في السفر للعلاج بالخارج يوما بعد يوم.