المسافة بقلم : نجمة سرواني
إنّ لنفسك عليك حقًّا ؛ لذا حدّد المسافة بينك وبين كلّ علاقة مع صديق أو رفيق أو حبيب … حتّى لا تخسر أحدًا … ارسم لنفسك حدودًا لا تتعدّاها ولا تخترقها … فهناك فواصل وجدت للشهيق والزفير للنّفس ولحظات للراحة يُسْترخى فيها … نعم هناك خلوة مع النّفس ؛ لذا لا تجبر نفسك ولا تؤذيها ولا تحمُّلها أكثر من طاقتها وصبرها على علاقة تجعلها تعيش القلق وتصير فيها بين مدٍّ وجزرٍ … وشدٍّ واسترخاء … إنّما اقطع تلك العلاقة وأرح نفسك من فوضتها داخلك … وزحمة الأفكار السلبية فالعلاقات لم تُخْلق لقتل النّفس و إهدار الوقت إنّما خُلِقَت لإسعادها … فمن يؤذيك ابتعد عنه .، ولا تجادله ولا تناقشه .. فالعلاقات غير الصّحيحة تظهر على شكل أقوال أو أفعال كالعتاب وكثرة المحاسبة والمراقبة … وتنتهي بالتّحذير والتّهديد … فاترك لهم مساحتهم المريضة المزدحمة المشوّشة بتفكيرهم الأجوف وانصرف حيث تسعد ويرتاح بالك في فضاء رحب واسع كلّه سكينة وطمأنينة .
يقول ا إمام الشافعي رحمه الله :
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا
يُعْرَف المرء بالقرب لا بالمراقبة والمحاسبة … والعلاقات تُبْنى بالودّ الخالص والوفاء والابتسامة لا بالتّودّد الاصطناعيّ المفتعل ؛ فما يبنى على التودد و التملق يربط بخيط ضعيف سرعان ما ينقط فتكون الأرض هشة فتتعثر الخطوات ولا يبقى للود مكان . لذا يُقال أنّ النّاس صناديق مغلقة لا نعرف محتواها ولا ندري ما يركن بداخلها …( فاحذر ) مهما قلت أنّك تعرفهم هناك عمق مخيف مجهول لا تُسْبر أغواره فاحذر منه فتحت الرّماد اللّهيب …
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
اترك المسافة الّتي تجعلك تتنفّس هواء نقيًّا غير مسمّم غير مسموم بخيوط النفاق والوجع … حتى لا تقع في الخيبة والخذلان والندم …… ابتعد عن مشاركتهم الأحداث العقيمة والجدال الّذي لا جدوى منه غير مضيعة الوقت … لا تتردّد أبدًا في تحديد المسافة الآمنة بينك وبين من يسيء إليك أو يجرحك …
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ
وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا
وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ
وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا
ابتعد عنه … كن عادلًا مع نفسك قبل أن تكون كريمًا معهم وتظلم نفسك بوضعها تحت ضغوط نفسيّة لا مبرّر لها … أكرم نفسك بالابتعاد عن ضجيج يشغل مساحة عقلك ويسلبك راحة قلبك …ويجعلك قلقاً … لا تعرف النوم … فالحذر كلّ الحذر من شرارة ناره وشرّه الّذي لا يُسْتبان .