“سمو ولي العهد وطوق النجاة” بقلم: د. طلال بن سليمان الحربي
تُعد المقابلة التي أجراها عضو هيئة تحرير مجلة “أتلانتيك” الأمريكية مع سمو ولي العهد محمد بن سلمان، والتي ستنشرها في عدد أبريل المقبل بعنوان “السلطة المطلقة”، مقابلةً استثنائية بحسب المعايير الصحفية؛ فهي مقابلة استقصائية واستفزازية ومحاولة لفهم أفكار هذا الشاب “المحب لوطنه”، الذي يصر على إحداث تغييرات شاملة لتحديث هذا الوطن دون المساس بتراثه وعقيدته أو التنكر لأصالته.
غرايم وود Graeme Wood الصحفي الذي أجرى المقابلة مع سموه، ليس صحافيًّا عاديًّا؛ بل هو كاتبٌ له مسيرة طويلة في الصحافة الأمريكية، وهو مؤلف واحد من الكتب الأكثر قراءة “طريق الغرباء: مواجهات مع الدولة الإسلامية” The Way of the Strangers: Encounters with the Islamic State الصادر في عام 2016، وهو دراسة عن فكر حركة “داعش”.
وعلى الرغم من كل الإنجازات التي حققها سموه في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والفكرية منذ توليه ولاية العهد قبل نحو خمس سنوات؛ فإن الغرب يحتكم إلى معيار “مقياس لكل الأحجام”، و”لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب”، كما يقولون، وما زال ينظر إلى العرب كرعاة جمال؛ متناسين أنهم أنفسهم كانوا رعاة أبقار حتى وقت قريب.
لقد جاء هذا الصحفي لمقابلة سموه بعدما “أعد واجبه البيتي” بعناية شديدة. ولكن من أجل تبديد أي صورة نمطية وأحكام مسبقة؛ فقد سُمِحَ له -كما قال- بأن “أتجول بحرية وأن أستمع وأتنصت”.
وكان يعرف أن إجراء مقابلة مع رجل قانون مثل سمو ولي العهد ستكون مهمة صعبة؛ فهو “كما قيل لي يستمد الطاقة من التحدي”.
وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها حكومة المملكة والسلطات القضائية لمحاكمة المتورطين في قتل الصحفي عدنان خاشقجي؛ إلا أن هذه القضية لا تزال تُستخدم كـ”قميص عثمان” للإساءة للمملكة من قِبَل مَن يدَّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، وهم كما جاء في الحديث الشريف: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عين نفسه).
وهذه هي ازدواجية المعايير الغربية؛ لذلك كان رد سموه القانوني الحاد: “لقد حاكمنا من قاموا بهذه الجريمة، التي لا تقارن بالفظائع مثل قصف حفلات الأعراس في أفغانستان، والتعذيب في معتقل غوانتانامو التي لم يعاقب مرتكبوها حتى الآن!”.
ما ركز عليه هذا الصحفي هو: كيف سيتعامل الغرب مع ولي العهد والملك بعد طول العمر للملك سلمان حفظهم الله؟ ولماذا يهابونه؟
وما قاله سموه هو أنهم يحتاجون إلى المملكة أكثر من حاجتها إليهم؛ مستشهدًا بالاستثمارات السعودية التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات التي توفر وظائف للآلاف في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.
ولهذا فعندما سأله “إن كان بايدن -الرئيس الأمريكي- يسيء فهم شيء ما عنه”، أجاب سموه: “بكل بساطة، هذا لا يهمني”، مشيرًا، كما قال هذا الصحفي، إلى أن تجاهل قيادة المملكة قد يُلحق ضررًا بمكانة بايدن؛ “الأمر متروك له للتفكير في المصالح الأمريكية. عليهم أن يختاروا”.
ومهما يكن من أمر، فقد شدد الكاتب على أهمية الشراكة بين الولايات المتحدة، وعلى أن سمو ولي العهد هو من يمكن للولايات المتحدة وشركائها أن تعتمد عليه في محاصرة إيران.
وخَلُص إلى نتيجة لَخَّصها له الدبلوماسي الأمريكي فيليب زيليكو Philip Zelikow: “نريد قيادة سعودية تستطيع مواجهة مشكلاتها إن وجدت لبناء المجتمع السعودي الحديث”.
“إن محمد بن سلمان، شئنا أم أبينا -يقول غرايم وود- حقيقة لا يمكن تجاهلها، فهو إنسان ساحر وغير متكلف وودود وذكي”.
وهذه حقيقة يعرفها الشعب السعودي جيدًا قبل أن يعرفها هذا الصحفي الأمريكي، فسمو ولي العهد شخصية سعودية صلبة لا يمكن تخطيها بسهولة، وهو لا يساوم على استقلالية القرار السياسي؛ لذلك على الآخرين أن يتعاملوا معه بندية، مثلما يفعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ فهم الآن أحوج ما يكونون إليه وهم يغرقون في مستنقع جنون قراراتهم وحساباتهم السياسية الرخيصة، وسوف يستجدونه ليمد لهم طوق النجاة!