“ميزانية خير لعام خير” بقلم: د. طلال سليمان الحربي
في كل عام ميلادي ومع نهايته نحن على موعد مهم جدًا، وهو إعلان الميزانية العامة للمملكة للعام الجديد، شهر ديسمبر من كل عام، لم يعد فقط محط اهتمام الداخل السعودي، بل أيضًا محط أنظار ومتابعة واهتمام من العالم أجمع دون استثناء، وعلى كافة الصعد والمستويات والقطاعات، لأن ميزانية المملكة تشكل خارطة الطريق التي ستسير من خلالها المملكة في العام التالي، وهذه أول رسالة علينا أن نفهمها جيدًا من واقع أرقام الميزانية العامة، إن ما ستقوم به المملكة واضح ومبرمج ومُعد له مسبقًا، ولو قارنا ميزانية المملكة في نهاية العام 2019 ما قبل كورونا، مع الميزانية في نهاية العام 2021 أثناء كورونا، مع ميزانية العام الجديد 2022 ما بعد كورونا (رغم استمرارية خطر الجائحة في العالم)، سنجد من واقع الأرقام الرسالة الثانية التي لا بد وان نعيها أيضًا، وهي أن المملكة بخير وأنها تسير وفق رؤية ومنهجية قوية وواضحة، وأنها رغم الجائحة وآثارها، إلا أنها خرجت قوية ومستعدة للمستقبل بشكل أكثر.
فائض متوقع يزيد عن 90 مليار ريال ليس بالأمر الهين، خاصة أنه جرت العادة أن يتم إصدار الموازنات العامة للدول بعجوزات يكون القصد منها ضبط وترشيد الإنفاق، لكن المملكة في الوقت الذي خرجت غالبية دول العالم بعجز في ميزانياتها، خرجنا بفائض متوقع وبرقم كبير جدًا، وهذا يعني أن اقتصاد المملكة قوي منيع ثابت، وما يتحكم بالاقتصاد السعودي هو العلم والتجربة والدراسات والبحوث الاستراتيجية طويلة ومتوسطة المدى، وهذه رسالة أخرى موجهة لكافة رؤوس الأموال العالمية لتشجيعهم على الاستثمار في المملكة والدخول في شراكات نوعية متميزة.
منذ انطلاق الرؤية 2030 وبرنامج التحول الاقتصادي الوطني، ونحن أصبحنا نعرف ونتوقع جيدًا ما هي ملامح الميزانية لكل عام جديد، كل شيء محسوب مُعد له مسبقًا، مشاريعنا الكبرى تمضي وفق ما هو مخطط لها، بنيتنا التحتية تشهد تطورًا كبيرًا، دعم الخدمات العامة من إسكان وصحة وتعليم كله يسير ضمن ما هو مخطط له في رؤية الرؤية 2030 وأهدافها، المستوى الأمني لدينا في ارتفاع، استقرار عام في الشأن المجتمعي، ونهضة عمرانية ثقافية ترفيهية سياحية رياضية غير مسبوقة، كذلك الأمر في التطور الرقابي ومكافحة الفساد، زيادات معدلات الإيرادات غير النفطية، المزيد من برمجة الزيادة في الإيرادات النفطية التي حدثت خلال العام 2021 نتيجة لارتفاع أسعار النفط.
الإعلان عن خفض ميزانية القطاع العسكري، رغم أن المملكة تخوض حربًا ضروسًا على الإرهاب وعلى المد الإيراني في الحد الجنوبي، إلا أن خفض الميزانية يعني أن مشاريع التوطين والشراكات الاستثمارية في الشأن العسكري قد بدأت تجني ثمارها، وقريبًا جدًا سنشهد عائدات وإيرادات على خزينة الدولة من الصناعات العسكرية، معدلات النمو التي ارتفعت في ميزانية 2022، وهذا الارتفاع ليس ارتفاعًا وهميًا، بل حقيقيًا، فالمملكة قادرة على تسويق أي منتج تقوم به، حجم الاستثمارات الداخلية في ارتفاع ثبات القوة الشرائية رغم كل ما نتج عن كورونا من نقص في المواد الخام او الاستيراد او ارتفاع الأسعار من بلدان المنشأ.
وبطبيعة الحال عند الحديث عن المواطن السعودي، فكلنا نعلم أن كل ما يتم إنجازه على أرض الواقع، وما سيتم إنجازه مستقبلاً، هو لخدمة الصالح العام للمواطن السعودي، والحديث ليس فقط عن مواطن اليوم، بل مواطن الغد من الجيل الصاعد أو حتى الذي لم يولد بعد، وهذا كان من أهم الأمور التي ركز عليها سيدي ولي العهد عراب الرؤية 2030، إن المواطن السعودي القادم في المستقبل، لا بد وأن يجد أمامه وطنًا منيعًا قويًا متعافي، ومستقبلاً يجد فيه كل الإمكانيات متوفرة من خدمات وصحة وتعليم وأمن وأمان وحرية.
بكل تأكيد ميزانية 2022 لو تعاطينا معها بالأرقام فسنجد أمور معدلات نمو متوقعة وجيدة جدًا، ولكن لو تعاملنا معها بالحس التحليلي لوجدنا أننا أمام ميزانية دولة عظمى تضع أمام عينيها هدف رئيسي وهو مستقبل أكثر ازدهارًا وإشراقًا.