“المقتولة” بقلم: بندر الشهري
إن الحياة تقتضي علينا أن نرى القاتل يُقتّل بحق أو بغير حق… هذه الدنيا ضمائرها الميتة تقتل أرواحًا حية…
آه ايتها الدنيا العجيبة… قصصك مؤلمة وأخبارك حزينة، فيك الألم للقريب والبعيد…
ولكن هل رأينا قاتلاً يقتل إنسانًا وهو حي بيننا! …. نعم، عندما تكون ضمائر الأغنياء ميتة ويبخلون بمالهم على الفقراء!
إن القاتل الحقيقي هو ذلك الغني الذي تجده كثيرًا ماله قليلاً بركته، الشر في روحه، والكذب في لسانه…
في ذلك الحي الفقير تجد ذاك البيت المهجور من الطعام والشراب ومن الملبس والفراش تسكن فيه امرأة مسكينة بل مقتولة من الحياة تريد طعامًا لصغارها، تنادي بأعلى صوتها ولكن لا تسمع إلا صدى صوتها…
إذا خرجت لوحدها تطلب المساعدة من الناس تراها وهي تمشى بين الطرقات كأنها تسير لجنازتها وخلفها الناس يُشّيعونها… تطرق الأبواب ولكن لا تجد من الناس إلا الأعذار، لا تسمع من صدرها سوى زفرات ندم، ولا ترى على خدها إلا قطرات ألم… وكأنها تُعلن الرحيل من هذا الشقاء والعناء، مسكينة أنتِ يا امرأة، إذا مددت يدها للناس قالوا عنها شحاذة نكرة، وإن سرقت قالوا سارقة كاذبة، وإن أكلت حرامًا قالوا يا ويلاها من رب الأنام…
حارت في حياتها وما عرفت مصيرها، لا تعرف من الشبع سوى اسمه ومن الجوع سوى أنه ضيف عليها كل يوم! في كل مكان تجدها تبكي على حالها، هل يا ترى تبكي على ثيابها الممزقة التي لم تستر جسدها !؟ أم تبكي من ألم نّعلها التي أتعبتها في خطواتها…
تنظر للسماء وتسأل رب السحاب وتقول: ما بال قلوب البشر أصبحت كالحجر، تتأمل في نفسها وتبكي على قدرها فترى الحلم قد انهار والفقر قد استحال والغِنى أصبح من الخيال، تذهب كل ليلة إلى فراشها وكأنها تذهب إلى نعشها.
مسكينة تلك المقتولة، كاسفة الوجه، ذابلة الجسد تصارع الحياة مثلما يصارع الميت سكرة الموت، تجلس على الرصيف وحالها مكسوف تنظر إلى قصتها التي لا نهاية لها سوى ذكريات ترسم على زمنٍ لا يُرحم فيه الضعيف، وهنا تعلن رحيلها وقلبها يتقطع ألما وكمدًا، وترسل صيحتها إلى السماء معلنة موت روحها وهي حية بجسدها….
بعدها أيقنت المقتولة أنه لا رجاء عند الأغنياء….!