التقاعد وحقوق الوطن والمواطن بقلم : د. أحمد بن صالح البرواني أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية البريمي الجامعية
حينما ينزل الله أمرًا فيرسل معه لطفًا ورحمة ويكون ذلك لحكمة معينة، والقانون الوضعي يجب أن يكون مُتبعًا ذلك وإلا فسيضيق على البشرية حياتهم ولن ينعم أحد بالأمن بمختلف مفاهيمه.
قرأت عن جماعات ودول سادت ولكنها هوّت نظرًا لقلة إتباع الرحمة والحكمة في اِتخاذ قراراتها، ولعدم مراعاة اللُطف في تعاملها، وما ذلك إلا مخالفة لتعاليم الله تعالى الرحمن الرحيم، وما جاء من دعاء لسيدنا النبي الكريم، حيث قال: “اللهمّ من ولي أمر من أمور أمتي فرفق بهم فأرفق به، ومن ولي أمرًا من أمور أمتي فشَّق عليهم فأشقُق عليه”.
فمن السهل إصدار قرار ومن السهل إجبار الناس على القبول به وإتباعه ولكن من الصعب تحمل نتائجه الكارثية على مصدر القرار قبل المخاطبين به والمُطالبين بتنفيذه.
ولعل من أهم القواعد القانونية الحكيمة، هي عدم تعميم كل القرارات على الكل، فهناك قرارات تنطبق على الكل كتجريم القتل والزنا وتجريم الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمواجهة ضد أمن الوطن وأمثالها، وهناك ما يخص طائفة معينة ولا ينطبق على غيرها، فما يخص الأطباء لا يمكن أن يطبق على موظفي قطاع النفط والعكس صحيح، ولذا يجب أن نفصل لكل فئة ما يناسبها من قوانين، وبتطبيق ذلك على قرار إحالة موظفي الحكومة للتقاعد بشروط محددة فإنني أرى أنه سيوجِد خللاً عظيمًا في مؤسسات معينة، ولذا يجب المسارعة إلى استثناء هذه الفئات من شمولها بنظام التقاعد فالطبيب مثلاً تتحمل الدولة مبالغ كبيرة لتعليمه وتدريبه وعندما تتراكم الخبرات العلمية والعملية لديه يأتي موعد قطف ثمار ما أُنفق عليه نصطدم بقانون يحيله للتقاعد، ليس هذا فحسب بل إنه من أبناء البلد والبديل قد لا يكون متوفرًا من أبناء البلد فنضطر للتعاقد مع الأجنبي، وما ينطبق على الطبيب ينطبق على وظائف كثيرة كأستاذ الجامعة وبعض فئات المدرسين والمشرفين على العملية التعليمية وبعض الوظائف التي تحتاج قدرًا من العلم والمهنيّة والخبرة.
ولعل القناعة التي توّلدت لدى البعض بحرمان المتقاعدين من العمل لدى القطاع الخاص هو أمر فيه ما فيه من سلبيات أولها حالة الفراغ التي ستزامل المتقاعد ولا شك أن الفراغ سمٌ قاتل للفرد وللمجتمع فهو من أهم مسببات الفساد، ولعل هذا المتقاعد لديه من الظروف ما يجبره على العمل لسد احتياجاته وبالتالي حرمانه من العمل سيجعله يتجه لسد تلك الاحتياجات بطرق مخالفة للقانون، وأيضًا هناك من الوظائف والمهن التي لا يشغلها المواطن وبالتالي فهو جدير بشغلها ولذا فإن على الدولة البحث عن حلول وليس فرض واقع مدمر للدولة وللأفراد.
إنني مع أن تقوم الحكومة بتشكيل مجلس حُكماء لدراسة جميع ما يواجه بلدنا الغالي وما يجب أن يُتخذ من قرارات لتكون الغاية العظمى تحقيق أمن المواطن والوطن، على أن يشكل هذا المجلس من عدد محدد ولكن بأفكار مختلفة بمعنى اختيار عالم دين يخاف الله وإداري متمكن في علم الإدارة وقانوني محنَّك واقتصادي بارع والأهم أن يتم الاختيار بناء على ما يتوفر في هؤلاء من علم ومخافة لله وحب للوطن والقدرة على ابتداع الحلول التي تحقق مزيدًا من النماء والإنتماء للوطن وللسلطان.
غفر الله لوالدنا قابوس ولجميع موتانا وموتى المسلمين، وأيد سلطاننا هيثم بالقوة والناموس والفكر والرأي السديد والبطانة الصالحة، وحفظ عُمان وأهلها ومن يقيم عليها وجميع بلاد المسلمين.
وإلى لقاء قادم بإذن الله وعُمان ترفل في ثوب العز والخير والإيمان والبركات.