إلى المدعوّةِ “آلِن”بقلم : أحمد الرديني
إلى العزيزةِ ” آلِن ” الساخرةِ مِن مَشاعري مَع التحيّة!
لَقَد طَلبَ مِنّي أحدُ الحرّاسِ كِتابةَ رسالةٍ إلى أحدهم كَرسالةٍ مُستَعجَلةٍ ولا أعلمُ لِماذا! هل شعِروا باليأسِ مِني أم أن ذكائِي المجنون يؤهِلني للخروجِ مِن مصّحتِهم النفسيةِ التي تُشبِه حاويةَ النُفاياتِ المرميّةِ عند حُفرِ الصرفِ الصحي!
:
لا عَلينا، كنتُ مجبورًا على تلبيةِ الطلبِ وإلا وَضعوني في غرفةٍ منفردةٍ ملطّخةٍ بدماءِ رؤوسِ ساكِنيها الذين كانوا هنا مِن قبلي ولكبّلوني كي يدسّوا عصيرِ التخديرِ في دمي كما يسمّيهِ الحارسُ حينما يريدُ أن يشمَتَ بِنا، فخطرتِ مباشرةً على ذاكرتي المهشّمة الثقيلةِ كالجنازاتِ في الحروب! تلكَ الجنازات التي لا يرغبُ بِها أحد ولا يُصلّي من أجلها أحد بعد أن رأيتُ وجهَ الحارسِ القبيح ذو الأنفِ الكبيرِ والعينِ التي تبدو كحبّاتِ العِنب الفاسدة!
السيدةَ ” آلن ” إنني الآن بِفضلِ خطاياكِ أمشّط رأسِ الأرضِ بحذائي الممزق وأحكّ ظهرَ جداري بأظافري البرُتقاليةِ التي أصابَها الوهنُ المشابِه لروحي! تلكَ الروح التي سلّمتُها لكِ كَلعبةِ صغيرٍ كان يَحلم بِها فحطّمتِها دونَ رحمةٍ تُذكر!، لقدْ وَضعتِني في إحدى المصّحاتِ النفسيةِ التي لا أظنّ بأنني قادرٌ على الخروجِ مِنها أبدًا! فالآن أكتبُ لكِ بيدٍ مُرتعشةٍ وقلبٍ مثقوبِ الزوايا وجسدٍ هزيلٍ مِن شدةِ الألم
:
عزيزتي ” آلن ” لَقد سَخرتِ مِن مشاعري ذاتَ ليلة! الليلة التي رَحلتِ فيها دون أن تنظرينَ إلى حدائقِ الوردِ التي كنتُ أحمِلها إليكِ في قلبي! لَقد كان ثَمنها غاليًا جدًا جدًا فقد اقتنيتها بِحصّتي من تركةِ أمي! تلكَ التركة العزيزة، لقد خلفتْ أمي بِداخلي قلبًا ليسَ كبقيّةِ القلوب أبدًا، فسلّمتهُ لكِ كعربونِ حبٍ دائم! لكنّكِ كنتِ تنفثينَ رمادَ الأنانيةِ على وجهيَ المُبتسمِ وتلصقينَ علكةَ الحجج على قميصي الأبيض ذي الأكمامِ المرقّعة! آه يا ساخرة! لقد كنتُ فقيرًا جدّا وقتها ورأيتُ غِناي فيكِ وكأنني معكِ سأصبحُ مليارديرًا شهيرًا في صحفِ العِشاق ولكنني كنتُ أحلم وآه ثمّ آهٍ ثمّ آهٍ ما أقسى الأحلام!
عزيزتي ” آلن ” لا أعلمُ لِمَ كتبتُ إليكِ رِسالتي هذهِ ولكنّهم يقولون أن وَقعَ الرسائلِ أشد مِن وقعِ السيوف ولهذاَ كتبتها دون علمٍ هل ستصلُ أمّ أنهم سيرفضونها كعادتهم بحجّةِ أنني ألطِخها بِدمي المتفّجرِ دائمًا مِن معدتي! تلكَ الدماء التي أخبرني طبيبهم الأصلع ذو الابتسامةِ العريضة أنها تأكل ما تبقّى مِن عافيتي وتتغذى على خلايا جسدي من الداخلِ كما يتغذى عليها الحزنُ من الخارج وأظنّهم أجبروني بطلبٍ مِنه لأنه يَعلم أن نِهايةَ جسدي وشيكةً جدًا فقد سَمعتهُ حينما كنتُ بحجرتهِ الملوّثة بالتشاؤمِ يقول بصوتٍ منخفض، هذهِ الدماءُ السوداء تفتكُ بحشاياَ الأعضاءِ دون رحمة ولا توقف!
:
العزيزة آلن، حطامي لا تَحملهُ سفن النِفطِ العِملاقة، وزجاج قلبي لا يجبرهُ استغفار الأئمة والقساسوة، كلّ شيء هنا أصبحَ باردًا، الجِلد، الذاكرة، القدمان، الروح، الذات الهائلة، كلّ شيءٍ عَبَثتْ بِه يداكِ الأنانية! تلكَ اليد التي لا تُجيدُ الرسم أبدًا أبدًا، وكأنني كُراسةَ صغيرٍ ممزوجةٍ بالألوانِ الداكنة التي يظهرُ أثرها على شكلِ وريقاتٍ ممزقةٍ من شدةِ ضغطهِ على قلم التلوين!
” آلن ” الآن أجرّدكِ من نداء العزيزةِ لتعلمي أنّكِ أقمتِ حربًا بداخلي كتلكَ الحروب التي تقامُ في البلدانِ الفقيرة! القوي يظهِر قدرته على أظهرِ العاجزين، يطلبونهم جرعةَ ماءٍ فيمزجونها لهم بالخرابِ والاحتلالِ والفسادِ الذي يجعلهم يدركون أن الخلاصَ لا يكون إلا بالخلاص! وِلهذا في نهايةِ رسالتي هذهِ سأضعُ قِبلةً أخيرة! ليست لكِ وإنما لجنازةِ مشاعري المقتولة قبل جسدي فإنهم أخبروني أنهُ لن يُصلّي من أجلي أي أحد لأنهم يرون أن المصابينَ مِثلي نفسيًا وجسديًا غير صالحين للحياةِ بعد الآن! نحنُ الذينَ كنّا بخيرِ لولا الآخرون! الآخرون الذينَ يرفعونَ لنا قبّعة الاحترامِ بعد موتنا! ليس احترامًا لأجسادنا وإنما احترامًا لأمعائنا وقلوبنا التي شِربت السمّ دون أن تصدرَ صوتًا للألم.
:
الوداع…
:
كتَبها : أحدهم
العنوان : الصِحة النفسيةِ
إلى : آلن الساخرة