مقالات

“الصَّمت” بقلم: أ. نجمة سروانيّ

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (ندمت على الكلام مرّات،وما ندمت على الصّمت مرّة …!!)
الكلام هو أرقى وسيلة في الرّدّ على الكثير من المجادلات … وتكون الإجابة الكافية للّذين يريدون الخوض في حواراتٍ واهية وجدال لا هدف منه سوى فرد عضلات زائفة لنقاش عقيم … لذا نقول ربّ صمت أبلغ من الكثير من الكلام …
يقول الإمام الشّافعيّ رحمه الله :
إذا نطق السّفيه فلا تجبه …
فخير من إجابته السّكوت
فإن كلمته فـرّجت عنـه …
وإن خلّيته كـمدًا يمـوت
الكلام والأسلوب في حدّ ذاته أناقة … فاختر أناقتك الّتي تزيّن بها شخصيّتك ،فالبشر توجعهم الكلمات القاسية والّتي يكون وقعها شديدًا في القلب …
ما القلوب إلّا مزارع لأقوالك وأفعالك …وهي أرض خصبة فازرع فيها ما شئت ودعها تنبت وتزهر النّبت الحسن …
مخطئ من يظنّ إن البشر كالطّيور إن جاعت غرّدت … فجوع المشاعر يعلّمنا الصّمت حتّى ننسى مذهب الكلام وهيئة الكلمات …
لذا تميّز عن الآخرين بعقلك وقلبك وضميرك والتزم الصّمت إذا تطلّب الأمر … فنحن نصمت لأنّنا نرى إنّه الأمثل في الكثير من الأوقات وإنّه ليس ضعفًا منّا … بل كرامة لأنفسنا وحفظ ماء الوجه .
فالصّمت لا يعني عدم القدرة على الرّدّ ..! إنّما له غايتان .. فالأولى …التّغاضي عن التّفاهات المطروحة والثّانية … أنّه لا جدوى من الحديث  مع هؤلاء النّاس .
فهناك فئة من النّاس الّذين تظنّ إنّهم أفضل من غيرهم فيقذفون كلمات نابية جارحة بكلّ فخر وينعتون أنفسهم بالشّجاعة والجرأة … هذه الفئة يفضّل التّعامل معهم بالصّمت والانسحاب حفظًا لكرامتنا ..فليس كلّ هادئ خالي البال … وليس كلّ صامت لا يبالي قد يكون في داخله ضجيج الألم تكفيه و … ألف حكاية … وحكاية … وابتسامة باهتة تطلّ من شرفة الألم … لكنّه صامت احترامًا لذاته واعتزالًا لصغائر العقول .
أحيانًا تكبر فينا رغبة الصّمت لأنّ الكلمات لا تكفي  … ولأنّ الشَّرح لا يكفي … ولأنّ الأشياء ستبقى على حالها …ولا شيء سيتغيّر … لذا كان الصّمت خيارًا نلْجأ إليه رغم إن الموقف يتطلَّب التّحدّث بشدّة … لكنّه لم يعد يُفْهم من الحديث شيء ….
يقول الإمام الشّافعيّ رحمه الله :
يخاطبني السّفيه بكلّ قبح …
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما …
كعود زاده الإحراق طيبا
فالصّمت في المواقف الصّعبة يولَّد الاحترام ، بعكس الصّراع والجدل الّذي يولّد التّنافر والحقد.
نحن نقتل أنفسنا ببطء شديد عبر التّفكير بكلّ شيء ….كن مطمئنًا … ولا ترهق نفسك بالتّفكير،وتوكّل على الله فله الأمر والتّدبير .
أحيانًا يكون الصّمت والهدوء نعيم واسترخاء والسّفر إلى الأفق البعيد حيث تجتمع أحلام كطيف يلازم عيني فأرنو إليه … فليت الطّيوف تكون حقائق … وليت دنيا الأفق تكون واقعًا حيث تستريح أفكارنا … وتنام عيوننا قريرة …
وخلاصة القول … الصّمت لغة أبلغ من الكلمات … فاختر لغة الصّمت إن خانتك الحروف يومًا .. حينها اعمل بيدك وعقلك معًا ثمّ اجعل الضّدمير حكمًا على أعمالك .. فذلك هو الفنّان الماهر المميّز الّذي يبتكر بذكائه فنّ الكلام ..
يقول الإمام الشّافعيّ :
وجدت سكوتي متجرًا فلزمته     
إذا لم أجد ربحًا فلستُ بخاسر
وما الصّمت إلّا في الرّجال متاجرٌ وتاجره يعلو على كلّ تاجر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى