” هل نستطيع إدارة الغضب؟ ” بقلم: خالد عمر حشوان
قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: ” لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ” متفق عليه. ومعنى الصرعة: هو من يصرع الناس كثيرًا فيطرحهم ويغلبهم في المصارعة ويُقال عنه شديد أو قوي، ولكن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صحح لنا هذا المفهوم الخاطئ عند البعض بأن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب في هذا الحديث الشريف.
بعد هذه المقدمة النبوية، أبدأ مقالي هذا بقصة لمقطع فيديو مؤثر وصلني من أحد الزملاء الصالحين بإذن الله وفيه امرأة محتشمة ويبدوا عليها الندم والصلاح، تتحدث عن قصة حدثت لها مع زوجها بسبب شجار عائلي تطور بها إلى اِستفزازها لزوجها بجملة صريحة وهي: إن كنت رجلاً طلقني الآن، ولو كانت العصمة في يدي لطلقتك عشرون ألف مرة، بعدها لم يتحمل الزوج ما سمعه منها بسبب الصدمة التي جرحت كرامته ورجولته، وأحضر ورقة وبدأ يكتب فيها لفترة ثم وضعها في ظرف وأغلقه، وقال للزوجة: تفضلي هذه ورقة طلاقك وخرج غاضبًا من المنزل.
بدأت الزوجة تراجع نفسها وتسترجع ما قالته بتسرع وكيف دمرت حياتها الزوجية وأسرتها وأطفالها بسبب غضبها وعواطفها الخدّاعة وتجاهلت العشرة الزوجية الطويلة وطلبت الطلاق بهذه الطريقة الاستفزازية.
مضت ساعات طويلة (كما وصفتها) وبعدها عاد الزوج للمنزل وأغلق غرفته على نفسه وبدأت الزوجة تطرق الباب وتستجديه بكلمات عاطفية في غاية الروعة والأدب وتُذكره بالعشرة تارة وبالأطفال تارة أخرى، إلى أن فتح الزوج لها الباب وقال: نعم، قالت: لا يمكنني أن أترك بيت الزوجية أو زوجي وأطفالي مهما حدث، وأرجوا أن تجد لنا حلاً لهذه المشكلة، فسألها الزوج: هل أنت نادمة على فعلتك؟ قالت: نعم وندمي شديد جدًا ، فقال لها الزوج: لقد لبيت لك طلب الطلاق فهل قرأتي الورقة، قالت: لا يمكنني تحمل قراءة قرار طلاقي، فأصر الزوج لحظتها على قراءة الورقة، وكانت المفآجأة عندما بدأت الزوجة القراءة ووجدت أنها رسالة في قمة الروعة والجمال من الزوج محملة بأفضل وأرق الكلمات العاطفية لرفيقة عمره وأم أبنائه، ذاكرًا فيها أنه لا يمكنه التخلي عنها ولا عن عشرة السنوات الجميلة التي قضاها معها ويقوم بهدم أسرة بأكملها عانى الأمرين من أجل إسعادها طيلة حياته، فحمدت الزوجة الله الذي هداها لعدم ترك بيتها وزوجها وأبنائها وتراجعت عن عنادها وإصرارها وقالت: حكمة الله في أن منح العصمة للرجال دون النساء ( حسب قولها في المقطع ) وذلك بسبب عاطفتهن.
أنا هنا لست مع جنس ضد الآخر ولكن أعجبني تصرف الزوج وكبح جماح غضبه وإدارته له والعودة لتاريخ العشرة الزوجية الجميلة والخروج من الموقف الصعب بحنكة وعقلانية وتصرف سليم، ولا أنكر إعجابي بتصرف الزوجة العاقلة واعترافها بخطأها ( كما صرحت هي شخصيًا في المقطع ) ثم إعتذارها، والرسالة المؤثرة والشجاعة التي قدمتها في المقطع ليس للنساء فقط بل للرجال أيضًا، وعن الدرس الذي قدمه لنا أيضًا هذا الزوج العاقل برسالة صريحة لكل الأزواج، وهي لابد لهم أن يتملكوا أنفسهم عند الغضب والاستفزاز لأن عاقبته دائمًا ما تكون وخيمة على الأسرة والمجتمع وتنتج عنه مشاعر نفسية وعاطفية معقدة لدى الطرفين وأهمها: الحزن، القلق، الاكتئاب، الفراغ العاطفي، الخوف من المستقبل، تشتت الأطفال، الوحدة والضغوطات الأسرية على الطرفين والأطفال وهم الأهم بعد الانفصال.
تذكرت لحظتها قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء 19].
ومما لا شك فيه أن العلاقة الزوجية علاقة مُقدسة في الإسلام مبنية على أسمى معاني الحب، العطف، الحنان، الموّدة والرحمة كما قال الله تعالى: ” وَمِنْ آياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لآيات لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ ” (الروم 21).
وهذه العلاقة حددها الله عز وجل بحقوق للطرفين ونظمها الإسلام في إطار عادل لسنا بصدد ذكرها، ولكن الجدير بالذكر هنا هو وصايا الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم للرجال بالنساء في قوله : ” استوصوا بالنساء خيراً ” وقوله أيضًا ” رفقًا بالقوارير ” وذلك لما للمرأة من دور بارز وفعّال في الإسلام في تربية الأبناء وتنشئتهم النشئة الصالحة والمحافظة على نمو الأسرة المسلمة التي تؤثر في الفرد والمجتمع، ويقول عالم النفس الاجتماعي الفرنسي جوستاف لوبون: ” لم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل ذلك “.
وأنا شخصيًا أقول الحمد لله على نعمة الإسلام التي هي من أجّل النعم وأوفاها وأعلاها وأجيب على عنوان وسؤال المقال: ” هل نستطيع إدارة الغضب؟ ” بنعم، لأن كلمة إدارة مشتقة من إدارة الشيء من وجهة معينة إلى وجهة أخرى أفضل من السابق تستفيد جميع الأطراف من هذه الإدارة، وخير دليل لذلك ما فعله هذا الزوج من إدارة غضب زوجته إلى شعورها بالامتنان لما فعله معها وتقديره للعشرة والأبناء وحمايته لأسرة كان مصيرها التفكك والضياع.