أدبيات

“جل من يُقسط” بقلم : خولة محمد

نزوحُ الشمسِ اليوميّ هذا
وهي في صورتها المعتادة
تجرُّ خيوط محمرة
على مهلٍ تتحرك
أراها متعبة
كأنها طفلةٍ تذكرت على مضضٍ أن عليها العودة إلى البيت ،بعد قضاء يوم يكتضُّ باللعب،
وتقوى فيه مشاعر حنونة مختلفة
لكن شمسنا
ليس لها شفق مستقر
بل ترحل لنصفٍ آخر
من كوكبنا الضئيل
لتهب عدلها فيه
احمَّرت أذيالها
كخطِ لونٍ قانٍ
زاد الإحمرار
أراها لونٌ مائي لحظة انتشاره السحريّ على ورقٍ صافٍ به قطرات ماء.
أراها جمرةٌ غاصت بين الموج
الذي أحالته بحرَ دماء!
وجعلت السماء حولها شفقا محمرا خجلا
نزلت ببطء
فأُحيل الأفق لوحةً أَضْنَتْ على رسامها من الألوان
سوى اللون الأحمر
أعطته إياه بكرم
الأحمر فحسب
وربما خلطته بالقليل من الزرقة المائلة للرمادي.
لا أدري لما أشعر أن الشمس لحظة الغروب تشيع جنازات همم البشر.
أراها تشفق على أصحاب الكوكب.
تشفق على البشر اللاهثين خلف ملذات وأهواء الدنيا.
يلهثون دوما ؛
بلا حسابٍ ولا وعي يذكر
بل غيٍّ مستمر.

غافلين أهدافهم ربما،
متناسين غاية خلقهم،
مهملين رؤية دينهم،
متخبطين بين مساعيهم الدنيوية والأخروية،
وجل من يُقْسط!

أرى الجميع يركض يا أمي
تتعدد الوجهات
البشر يا أمي
أراهم سواء
ملامح أيادٍ فارغه
عينان تدوران بين الفراغ.
ويغيب عني ما وراء نطراتهم
لطالما تفكرت يا أمي في النوايا،
كيف من الممكن ترفع انسانا
وتضع آخر!
لم أكره شيئا يا أمي
سوى الخبث
ف لحظةٍ ما تمنيتُ أن يُظهر اللئيم ما بجعبته من أول لقاء،
أما الطيب نرى نقاؤه بأخلاقه وإيثاره يسبقه.

ما زلتُ يا أمي أتمنى هذا؛
فقلبي منهكٌ من الثقة التي أعطيتها بسخاءٍ لمن ليسوا أهل لها.
وكان وقتي أغلى من مقابلتهم
أراني أرثي كل ثانية
ضاعت من عمري
وانا أنظر بمحبةٍ صادقةٍ
لخبيث أراد أن يرتدي صفاءً من الود.
يغلب علي حسن الظن يا امي
الذي كاد يرديني.

لنعود لصديقتنا الشمس المحمرة
آن أن ينطفئ ضوئها
لتهب نورها لجزء آخر من الكون
رداء السواد بعدها يحل على المكان، يلبس الطرقات ،ويغطي مسارات البشر.
بعدها
نغرقُ بالظُلَم

أيتها الشمس
هل تشعرين بالعار
لأنك رحلتِ
ولم ترين إنجازات لبنى البشر
سوى الحرب والقتل والأسر
رحلتِ بعد سبحا طويلا
ولم تجدين حلم تحقق
أو غاية بُلغت
أو علما أُحيي
أو درسا حُفظ
لتعودي غدا
لتعودي بعد مئة عام
لن ترين مبتغاك
إلا إذا فهم الإنسان أن الكون بعظمته وسعته بداخله
يستطيع أن يضيئه بشمس جميلة مثلك
يستطيع أن يسرج بداخله قمرا
إذا ترك العالم وسعى لترميم داخله
سينير القمر
ثم تسطع شمسا أجمل

لن تسعدي إلا بعد أن يعود البشر للطريقة القويمة ،
لنعود لخالقنا
لتعودي لنا غدا
ولتنشري آمال الكون بين جنبات كوكبنا البائس
لتحملي لنا أخبارا مبهجةً عن أمتنا ،عن قدسنا ،
هل أخبرك شروقك السرمدي منذ متى وأقصانا مأسور؟
منذ متى وأخواننا بلا وجه حق يذبحوا؟
أي حق؟

أما سمعتِ عن المقدسات التي نراها يوميا بعنهجيةٍ تُدنس
والأراضي التي تُنهب
من سيعيدها لأهلها؟
هل أخبرتك ساعات السبح الطويل تلك
وأنتي عبثا تحاولين إدراك القمر
أن الشعب يجوع
أن المناظل يسمى كذبا إرهابي
هل حدثتك التضاريس التي تمرين بها يوميا
أن الشواهق هناك قد اندثرت أما وصلك نبأ فلسطين بعد ؟
هل عرفت ما آل إليه هوان أمةً مليونية؟
غثاء
نعم
صدق القول فينا
هذا حالنا
أنا هنا أحكي حالنا
وأجاهد بقلمي
لأجلك فلسطين

اتحرق شوقا لتعودي أيتها الشمس
هذه المرة ببشارات النصر
وراية الفتح
لتعودي لنا شمسا تنير قلوبنا عزة
وتملأ أرواحنا رفعة
لتعودي شمسا حقيقية
لا ينبغي لها أن تدرك الأسى
بل مهمتها الأولى إنارة طريق الموحدين
حتى لا يشعروا بغربة في الزمن هذا
أحيي فينا بضياؤك الأمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى