حوار مع : د. خالصة بنت زهران النبهانية ــ استشارية طب نووي
يعد سرطان الغدة الدرقية من أكثر أنواع الأورام الخبيثة -التي تصيب الغدد الصماء ـ شيوعًا على مستوى دول العالم، وقالت الدكتورة خالصة بنت زهران النبهانية ــ استشارية طب نووي ورئيسة قسم الطب النووي ومركز التصوير الجزئي بالمستشفى السلطاني-: أنه تم تشخيص أكثر من نصف مليون حالة جديدة في عام 2018 (3.1٪ من جميع السرطانات). وان أمراض الغـدة الـدرقية تنتشر في السلطنة ، بما فيها سرطان الغدة الدرقية.
واضافت أن تقرير السجل الوطني للسرطان لعام 2017 – الذي صدر مؤخرا – كشف على أنه يتم تشخيص ما يقرب من 200 حالة جديدة سنويا لسرطان الغدة الدرقية (الشكل 1) ، ويحتل حاليا المرتبة الثانية في ترتيب السرطانات الأكثر شيوعًا عند الاناث بالسلطنة في الوقت الحالي.
وعلى الصعيد العالمي، يعتبر سرطان الغدة الدرقية الاكثر شيوعًا عند الإناث ؛ وبالمثل وُجِد أنه أكثر شيوعًا بين النساء العمانيات ، على الرغم من أن سرطان الغدة الدرقية هو مرض يصيب البالغين في الغالب، إلا أنه للأسف يتم تشخيصه لـدى عـدد قليل من الأطفال في السلطنة .
واشارت الدكتورة خالصة النبهانية أن البيانات الدولية كشفت عن تزايد في حدوث سرطان الغدة الدرقية في أمريكا وآسيا وأوروبا ودول المحيطات ودول الشمال ، بالإضافة لذلك أفادت بيانات وطنية منشورة مؤخرًا من عام 1996 وحتى عام 2017 عن تزايد الإصابة بسرطان الغدة الدرقية بين العمانيين ، وقد بدى هـذا التزايد مشابهاً للبيانات المبلغ عنها في جميع أنحاء العالم (الشكل 2) ، ولا يوجد سبب مؤكد يفسر حدوث هـذا التزايد الملحوظ بالإصابة بسرطان الغدة الدرقية في جميع أنحاء دول العالم ، إلا أنه من الممكن أن يكون الاستخدام المتزايد للتصويربالموجات فوق الصوتية للرقبة، واستخدام خزعة FNA ، وتقنيات التصوير الإشعاعي الأخرى التي تؤدي إلى التشخيص المبكر والـدقيق. وقد ساهـمت بالتالي في هـذه الزيادة الملحوظة في انتشار سـرطان الغـدة الدرقـية.
وأضافت رئيسة قسم الطب النووي ومركز التصوير الجزئي بالمستشفى السلطاني أن هـناك أنواع مختلفة من سرطانات الغدة الدرقية وتشمل سرطان الغدة الدرقية المتمايز (DTC) وسرطان الغدة الدرقية النخاعي وسرطان الغدة الدرقية الكشمي ، وإن الغالبية العظمى (~ 90٪) من سرطان الغدة الدرقية هـو سرطان الغـدة الدرقية المتمايز الذي يشمل سرطان الغدة الدرقية الحليمي والجريبي ، وعادة ما يستجيب سرطان الغدة الدرقية المتمايز (DTC) جيدًا للعلاج وله نتائج وتوقعات ممتازة ، مع احتمالية عالية للشفاء.
وعلى مدى العقد الماضي، كان هناك العديد من التحسينات في تشخيص وعلاج سرطان الغدة الدرقية ، وقد تم نشر العديد من الإرشادات والبروتوكولات الدولية ، والتي كان آخرها إرشادات الجمعية الأمريكية للغدة الدرقية (ATA) القائمة على الأدلة في عام 2019. وفي السلطنة يتم عـلاج المرضى وفقًا لأحـدث الإرشادات الدولية.
واعتبرت الدكتورة خالصة النبهانية أن العقيدات أو النتوءات غير المحسوسة في الغدة الدرقية تعد أكثر الأعراض أو العلامات التي يظهر بها سرطان الغدة الدرقية ، وغالبًا ما يتم اكتشاف هذه العقيدات في الفحص السريري الروتيني أو يتم اكتشافها بالمصادفة في أشعة الموجات فوق الصوتية أوغيرها من عمليات التصوير الإشعاعي للرقبة التي يتم إجراؤها لأسباب أخرى. وفي حالات قليلة ، وقد يلاحظ المريض نفسه أو أقاربه تورمًا في الرقبة. تتمثل الخطوة الأولية لتشخيص الإصابة بسرطان الغدة الدرقية في أخـذ عينة صغيرة من عقيدة الغدة الدرقية المعنية باستخدام إبرة صغيرة ، وان هذا الإجراء يتم في العيادة الخارجية، ويُطلق عليه(FNA) أي الشفط بالإبرة الدقيقة. بمجرد تشخيص سرطان الغدة الدرقية عن طريق FNA، فإن جـراحة الغدة الدرقية والعلاج باليود المشع هما نهج العلاج الرئيسي.
واضافت أن العلاج باليود المشع بعد إجراء جراحة الغدة الدرقية المناسبة يعد أمراً ضروريًا في معظم الحالات. والهدف من العلاج باليود المشع هو تدمير أي أنسجة درقية متبقية، والقضاء على خلايا سرطان الغدة الدرقية المجهرية ، وعلاج أي انتشار لسرطان الغدة الدرقية في الرئتين أو العظام. ويستخدم اليود المشع أيضًا لعلاج أمراض الغدة الدرقية غير السرطانية الأخرى مثل التسمم الدرقي بسبب مرض جريفز أو عقيدات الغدة الدرقية السُّمية.
وأوضحت النبهانية بأن العلاج باليود المشع هوعبارة عن إجراء بسيط يتم خلاله تناول كبسولة مشعة ، خاصة عن طريق الفم. وللأسف توجد لدى بعض الناس فكرة خاطئة عن هذا العلاج ، حيث يعتقد البعض بأنه علاج كيميائي. وإن التأثير الرئيسي المفيد من هذا العلاج ينتج من الإشعاع المرتبط طبياً باليود.
كما يتم امتصاص هـذا الإشعاع بشكل أساسي من قبل خلايا سرطان الغدة الدرقية، وخلايا الغدة الدرقية الطبيعية ، ويُطلب من المرضى اتباع خطوات خاصة وإجراءات للسلامة قبل وبعد العلاج. كما يتم شرح الخطوات بشكل مفصل لجميع المرضى الذين يخضعون لهذا النوع من العلاج، ويتم تقديم التعليمات لهم شفهيًا وبصيغة مكتوبة.
واختتمت الدكتورة خالصة النبهانية حديثها أنه يتم ترقيد المريض في غرفة عزل خاصة مبطنة بالرصاص، ويُطلب منه أن يبتلع كبسولة اليود المشع. وبعد ذلك يتم عزل المريض في الغرفة لمدة تترواح بين يومين إلى ثلاثة أيام لغرض الملاحظة والسلامة من الإشعاع. وفي هذه الفترة يتم قياس ومراقبة مستوى الإشعاع المنبعث من المريض، ويُعطى المريض تعليمات خاصة عند خروجه من المستشفى لاتباعها في المنزل. كما أن هناك جزء آخر من نظام العلاج باليود المشع وهو الخضوع للتصوير من أجل تقييم مناطق امتصاص اليود المشع ومعرفة فعالية العلاج. يمكن تكرار التصوير في اليوم الخامس إلى العاشر بعد تناول الكبسولة. في معظم حالات سرطان الغدة الدرقية يُكتفى بجرعة واحدة من العلاج باليود المشع، ولكن قد تكون هناك حاجة لأكثر من جرعة في بعض الحالات.
الخلاصة: أن سرطان الغدة الدرقية شائع في جميع أنحاء العالم وكذلك في عمان. ويتم علاجه في المقام الأول عن طريق الجراحة واليود المشع. وهذا الأخير يُعدّ طريقة فعالة وآمنة يقدمها فريق متخصص. ومن المهم التركيز على الوعي العام بسرطان الغدة الدرقية، وذلك لضمان التعرف المبكر على المرض، وبالتالي العلاج المبكر الذي يزيد من فرص الشفاء.
تجدر الإشارة إلى أنه يتم توفير العلاج باليود المشع بالمستشفى السلطاني ومستشفى جامعة السلطان قابوس، ويتم تقديم هذه الخدمة بالمستشفى السلطاني منذ عام 2006. وقد تم علاج حوالي 1000 مريض بسرطان الغدة الدرقية حتى الآن. وتم تعيين فرق متخصصة وغرفتي عزل خصيصًا لهذا العلاج. ويعد العلاج باليود المشع جزءًا لا يتجزأ من عمل قسم الطب النووي على مستوى العالم. وقد خضع هذا القسم بالمستشفى السلطاني للعديد من التطورات للحفاظ على الخدمة بصورة محدثة والحرص على استيفائها لكافة المعايير الدولية.