في غمرة مباريات كأس العالم فيفا قطر ٢٠٢٢ ونحن متسمرون خلف الشاشة لمتابعة مبارياتها، لا أدري لماذا طرأت على بالي فكرة كتابة هذا المقال وأنا ابن الخامسة والخمسين ربيعاً الذي بدأت حكاية متابعته لبطولات كأس العالم منذ نسخة أسبانيا ١٩٨٢، تلك النسخة لا أزال أتذكرها وكأنها البارحة فلا يزال صاروخ فيصل الدخيل في شباك تشيكوسلوفاكيا عالقاً في ذهني، ولا تزال مؤامرة خيخون بين ألمانيا الغربية والنمسا لإقصاء منتخب الجزائر تؤلمني حينما أتذكرها.
منذ تلك اللحظة وأنا أحلم بتواجد منتخب بلادي في كأس العالم وهو بالمناسبة حلمٌ مشروع كباقي الأحلام التي من الممكن تحقيقها، ثم بدأ الحلم يكبر أكثر فأكثر بعد أن تأهلنا للمرة الأولى إلى نهائيات كأس العالم للناشئين في الإكوادور عام ١٩٩٥ وحققنا المركز الرابع وجائزة أفضل لاعب في البطولة، وتكرار التأهل إلى نهائيات النسخة الموالية عام ١٩٩٧ في مصر، ولكن ما أن تبدأ بالبوح عن حلمك حتى تنهال عليك جملة واحدة لا ثاني لها:
“ياخي خليك واقعي .. احنا وين وكأس العالم وين؟” سواءً بُحت بهذا الحلم لشخص متخصص أو غير متخصص، لدرجة تعتقد بأنه يُحرم علينا حتى مجرد الحلم بالتواجد في أكبر محفل على وجه الكرة الأرضية.
حتى عندما تبوح عن حلمك بالحصول على ميدالية أولمبية تأتيك نفس الجملة بسرعة البرق: “ياخي خليك واقعي .. احنا وين والألعاب الأولمبية وين؟” بالرغم من أن مشاركاتنا في دورات الألعاب الأولمبية مضى عليها أكثر من ٣٨ سنة بدايةً من دورة لوس أنجلوس ١٩٨٤ والكثير من البعثات الإدارية التي تواجدت في الدورات الأولمبية كل أربع سنوات.
وعندما تبوح بحلمك بالتتويج بكأس آسيا يأتيك الرد سريعاً “ياخي خليك واقعي .. احنا وين وكأس آسيا وين؟” .. طيب يا أخي الكريم منتخبات الكويت والسعودية والعراق وقطر فازت بكأس آسيا ونحن نفوز عليهم أحياناً ويفوزون علينا أحياناً في دورات كأس الخليج، ثم يعود ليقول لكن هنالك منتخبات اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وأستراليا والصين .. طيب ما منتخبات الخليج تفوز على هذه المنتخبات في كأس آسيا، فلماذا تحرمنا من الحلم بارك الله فيك ؟
جملة “ياخي خليك واقعي .. احنا وين والناس وين؟” أصبحت مثل العلكة في الفم لدى الكثير من الذين يهوَنَ التعالي من فراغ، وهي حقيقة مؤلمة لأن من يردد هذه العبارة لم يخرج لنا يوماً بوصفة سحرية أو حل جذري لنحلم معاً بتحقيق الأجمل بالرغم من كثرة مشاركاته في الكثير من المحافل الرياضية الدولية، ليأتي في نهاية المطاف ليقول بأنه يجب علينا أن نكون واقعيين وأن نرضى بما نحن فيه وأن لا نحلم بصوت مرتفع، وأن أكبر أحلامنا هي الفوز بكأس الخليج والتأهل إلى نهائيات كأس آسيا، بالرغم من أننا عندما حلمنا بصوت مرتفع وقلنا بأننا نحلم بالفوز بكأس الخليج فزنا بها مرتين لأن صدى الحلم وصل إلى اللاعبين.
ولو سألت أحدهم لماذا لا يجب أن نحلم مثل بقية شعوب العالم بتواجد منتخبات بلدانها في المحافل الكبيرة فإن الإجابة ستكون على طرف اللسان: ” دورينا ضعيف”، وهنا أكاد أجزم بأنه لم يسمع قط بالدوري السيلفادوري ولا بالدوري الهندوراسي ولا حتى بدوري ترينيداد وتوباجو أو الدوري الجامايكي أو دوري بنما وهي منتخبات سبق لها وأن لعبت في كأس العالم، ولربما يغوص في العمق أكثر ليقول: “المنظومة ضعيفة” .. حسناً ماذا قدمت لنا سيدي الفاضل من حلول وأطروحات لمعالجة المنظومة التي تتحدث عنها والتي تعطيك الحق بأن تمنع الناس من الحلم بصوت عالٍ.
في تصفيات كأس العالم الأخيرة لم أشعر شخصياً بأن هنالك رغبة أو حلم بصوت عالٍ في التواجد في النهائيات فلا جمهور حزين ذرف الدموع بعد خسارة الثلاث نقاط المهمة من الجولة الثانية في مجمع بوشر، بل جمهورٌ خرج من الملعب يرقص ويغني بكل نشوة بعد الخسارة من السعودية بالرغم من أننا افتتحنا التصفيات بالفوز على اليابان في أوساكا، ولا إعلام صب جام غضبه على اللاعبين لاهدارهم فرص لا تضيع من لاعب مبتدئ، ومن هنا كانت بداية السقوط الذي تمناه الكثير على أن أمر واقع وعادي جداً، وحتى بعد الجولة الأخيرة حينما خسرنا التأهل بفارق نقطتين عن أستراليا لم تخرج لنا وسيلة إعلامية بتحليل الوضع ولماذا لم نتأهل وكيف من الممكن أن نتأهل؟.
البعض يعلنها صراحة ليقول: لا أتمنى أن يتأهل منتخبنا الوطني إلى كأس العالم حتى لا نخرج بهزائم ثقيلة قوامها السبعة والثمانية وتكون فضيحتنا بجلاجل، بالله عليكم هل هذا تفكير واقعي ومنطقي؟ يعني لو لا قدر الله خسرنا خسائر ثقيلة هل سنكون الأول أو الأخير الذي يتلقى هزائم ثقيلة، وأين الفضيحة في خسارة مباراة في كرة القدم؟.. فالنتائج الكبيرة في كأس العالم واردة ما أكثرها عبر تاريخ البطولة وهي ليست بالكارثة وربما آخرها خسارة السيلفادور في هذه النسخة من أسبانيا ٧ / صفر ثم عادت وانتصرت على اليابان بهدف نظيف في المباراة التالية فالخسارة في الرياضة بشكل عام واردة ولكن من المهم جداً أن تطارد أحلامك مهما كان البعض يراها مستحيلة، ثم هل تعلم الغيب حتى ترسم لنا كل هذه السحابة القاتمة من التشائم.
أعتقد بأنه قد آن الأوان فعلاً أن تتغير طريقة تفكيرنا وأن نحلم جميعاً بصوت مرتفع وأن لا نخجل من البوح بأحلامنا وأن نسعى لتحقيقها وأن نساند بعضنا بعضاً للوصول إلى تحقيق أحلامنا بدلاً من سياسة تكسير المجاديف والتحبيط والانهزامية الغير مبررة لدى البعض ممن يعتبرون أنفسهم خبراء في الرياضة.