أدبيات

“قلاع الصمود” بقلم رمضان زيدان

نزلت على موج الشواطئ قربها
حطّتْ غرابيب السواد عليها بغتةً
جاءوا لها من كل حدب شاردٍ
مستنفرين منذ آماد طوالٍ صوبها
مدججين لغدرها

خفافيشٌ بين أدراب الظلام تسللوا إليها

مترقبون هناك
شبحٌ يحوم بمخلبٍ فتّاك
تهجير أهلك يا فتى أضناكا
هذي بلادك ما لها إلّاكا
مهرة عربية تعدو بخطوٍ جامحٍ
بين الفلا وتبخترت فوق المرابع طارفاً
أصل العراقة من لها والا فلا
بياض شامة غرتها بريق يرمق نفرتها
يعكس لون رملها الذهبي
تلاحق فارسها الأبيّ
ليسرّج صهوات بساط المد الوثاب
لمن ثاب اليوم لروضتها
بين الأرجاء مواكب تغدو وتروح
وأماكن حفلتْ بنزوح
باعة متجولون مروجون لبضائعهم
وكذا أكاليل الزهور

وأكشاك ألبسةٍ وعطور
وبدا بزاويةٍ على ناصية الشارع
مخبز تفوح منه رائحة الحنطة
ومررت هناك بمحطة
يقصدها قائدو المركبات
من أجل تمويل وقود
وقد حفل المشهد بوجود
طلاب علمٍ بجامعة بئر الزيت
علموا الكثير وعلّموا إذا أصغيتْ
تاريخ نبل مسيرةٍ كدٌ يبوح بسيرةٍ
ونضال شعب مقاوم أوعيتْ ؟
عمال تشييدٍ ومهندسو إباءها رحاب البيت
قُواد صحوتها باعثو أمجادها
وسرب ملحمة من العمل الدءوب
واثبون بسؤددٍ فوق الدروب
رواد معرفةٍ كفرسان على ظهر الجياد
مثقفون . مؤرخون لسفوح وهام الأوتاد
بالمشهد أحد الأحباش تجوّل
وتعالى صوت الأوناش تحوّل
متعهد للتخريب مُخوّل
كي يهدم شاهدها الأول
قلاع الصمود من عريق بناكا
صخور الأرض . حجارتها

في كل ركن من صروح مداكا
عمدوا إليها دافعين بها لأتون الفناء

لمراجل الغليان
خلسة لزهرة المدائن المنيرة
لدرة الأماكن النضيرة
وجهها وجهان
كلاهما قربان
نارٌ ومحرقة على رأس العدا
وغصون باسقة لمن لبى الندا
أشداء على من جاء مسترقا
رحماء سجية عند العابد الأتقى
أترى عيون المها لم تُصب بسواكا
كالسهم يمرق لم يرى إلاكا
بِكر الصحاري بكرة الإصباحِ
عبق المزارع وهجة الوضاحِ
فلا تبرح ولا تنزح ولا تأوى إلى مكمن
حتى وان كان به الآن سُدى مأمن
فكن عنوان صحوتها وان عانيت
سر واطبع لأقدامك بإقدامك
بصمات وجدٍ على حجر
صقلته زخات المطر
ظهرت جلياً عنده قسمات أوجه للبشر
فتوقف لبضع دقائق وارمق في مبانيها

مقراً لمؤسسةٍ أو جدران مدرسةٍ
من بين الحيطان تفحّص

في بيانك سطّره ولخّص وبريشة فنانٍ شخّص
وتترس بين الشجعان تمرس
بحضورٍ لك في موكبها
فأنتَ صاري مشرعها
سكنتَ نياط مهجتها
ولترسم غصن الزيتون وطيور
فوق الحيطان باسلةٌ نقشتْ توقيعاً
بسنابك حافر أرجلها
فوق دروب صحاريها
تراها في مدى الماضي
وبين الخلق حاضرها
ترمح في رُبى الوديان
فروّضها على الإقدام بين جحافل الأقدام
فأنت دليل مشربها وأنت عشير عزوتها
في دنياها لا تتركها وان ضحيتَ بكل نفيس
لكي تبقى منازلها تضم صحبها الاُصلا
فظل الظل من ظلك بالتحنان قد وصلا
وخلفك جاء أعدادٌ لإمدادٍ
هم أجيال نصرتها
قد هلّوا ولا ولّوا عن أتراب ساحتها
شبيبة حيّك المقدام

قد وثبوا على من عادا مهراكا
طالع عليها ها هنا

ترى الوديعة قد سكنتْ لأبدٍ بين عيناكا
في غرة سربٍ جوّابٍ تقودُ يمامةٌ حَسنا

تميل بلونها الجذاب
إلى محراب زرقة عينها الوسنى
تجول بمد أجنحةٍ فوق رحابة مثنى
على وادي شمائلها
حمائمها تماثل في حرائرها
لاحت سمات بالمحبة وغصن زيتون السلام
أو ما رآها رافعو الأعلام
على قاعات من عمدوا
إلى إبعاد فارسها عن المشهد
رؤى الإعداد في ملكاته تشهد
مرئية فوق الحمى
تسمو الروابي في أعالي سماكا
تغدو المواكب يا فتى من ذا خطا بخُطاكا
كي تحمي جسدها وجيدها النحيل
إذا هبطتْ من فوق سعفٍ للنخيل
وألف جيلٍ قد رأي بين أسفارٍ دليل
مخطوط وعد بالثرى يلقاكا
هلّا اطلعْت فما لها إلاكا
روحها تطير بعيداً بعيدا

عن لدغ الأفاعي إذا حطت
رحالها على أرض الأمان
تصوّرت بسذاجتها برقتها بقلة خبرتها
أن هناك تعويذة تُقرأ عليك
كي تُبرئ من لدغ رقطاء لديك
طعنات حراب تتوالى
صيحاتٌ بدأت تتعالى
ومضات . ندهة آهات وخيالات
وبدا في درب السرداب سراب
حتى إذا أتاه من أضناه الظمأ لم يجد إلاكا
دارت الخطوات حارت واستراحت
ها هي راحة روحها في مُحياكا
بحثت طويلاً في عيون مُناكا
فهل جاءوها إيمانا أم حقاً وميراثا ؟!
كتبوا على بردية صكا وانتزعوا به حكما
من أحكام تدليسٍ بإحكامٍ وشى الأوغاد
فقد زعموا بأرض المهد والعهد لهم ميعاد
وقفوا أمام مبكاهم يتباكون محرقةً
وقبل قرون محرقةٍ ببابل ذُل أسراهم
مرتجفين مطأطئ رؤوسهمُ مدعو الخشوع
أ للغفران كان حقيق نجواهم ؟
أم أن الزيف والتزييف مؤرخين لهواهم
على الأمصار والأمة عليها تداعت الأكلة
من شتى منافذها

سطوا من كل أنحاءٍ حتى من نوافذها
أمِن ضعف أمِن خوف كان القهر موْرِثها ؟!
أغفوت ثانية بعدُك استيقظت ؟!
قد دوّن التاريخ دعة باعثٍ فوق السطور

عبر أحقاب العصور
مستطرداً أن الفتى المقدام
فوق ديباجٍ وثيرٍ قد غفا
وفي توالى الأحداث في زحامٍ اختفى
معي أنت مال هنيهةً
لبعض الوقت .. أوعيت ؟!
لكنه متواجد فوق الثرى
تدب خطاه بصفو جمال بهجتها
تبدّى في مُحيّاه
حياة من شوارعها مزارعها
وآكل قمح زارعها
وشاربَ عذب رونقها
نفحته تبارك ساقيها
كوفيته حول جِيده التفّتْ
بَدَتْ درعاً لصد البرد
رمزٌ للثورة من قلب الشارع تمتد
لمواكب حرة قوى الرد
وألف موروث جليل في أراضيها

ولد الأبيُّ في أحضان دافئةٍ
تجلّت في أمومتها
رضع البطولة في دنيا مراعيها
ماضياً لعلاه نحو الخلود
في منحى أمانيها
حال المقال مفوهٌ

كم أصدر من بياناتٍ في تعبير رؤياها
تحكي في حكاياتٍ منذ فجر بزوغها
فالقارئ والمدوّن كلاهما أرساكا
في كل شبر علّموا نقشوا على حجر الكرامة عزةً

نبض الحروف بشدوه معناكا
هذي سماء الكون بسطت ظلها
كالأم تحمي في ضعاف صغارها
من شمس حارقة من زحف خارقة
روح البراءة تملأ الأجواء دانيةً
رغم الخطوب فترى الطيور
شماء من فوق الرُبى حال الوجوب
كأنها نبوءة الزرقاء

تنبئ عن قرب غارات العدا وقت الحروب
سرب الفناء رمقته عين يمامة
كانت تطوف حراسةً
لما توالوا بالردى على سنا دنياكا
قد أعلنت من حينها

فِرقُ التصدي ما لها إلاكا
أروقةٌ . هامات شواهق شامخات
تسطر في عناوين النضالِ
قطعة صخر مزركشةٍ
وضعت شامة شاهدٍ
توالت عليها أيام خوالي
تعطي انطباع مقاصد بملخص الإجمالِ

في إحدى معالمها
ترى بها حائط البطولاتِ

نبض البناة السامقين عكس المزار ترابطاً
وشائج الجبهاتِ وتلك البنايات العتيقة
متاحفها حقبة في معارفها
سطّر عليها يا فتى من ربيع صباكا

بالله قل لي بعدما

لـمّـا رأيتَ صبابةً في عينها من لها إلاكا ؟
نور الصباح يعانق في قسمات بانيها
يعرف وجوه حِسانها
إذا همّوا لدور العلم في ضواحيها
يعرف بائع كعكها المقدسي بالزعتر
يعرف زيت زيتونها ووفرة طرحه الأخضر
يعرف ساقيةً تدور تروي الأرض
وساقية أخرى تثور بالبارود تحمي العرض
أبيٌّ فتي العروبة شُدَّ العزائم من زنود يداكا

تحمي الحمى متوشِّحاً بقواكا

في البلدة القديمة تحفة معمارية لمثمنِ الأضلاعِ
قد عانقت سحب السماء بروعة الإبداعِ
لاحت تمائم الزوار في باحات مقدسها
بين قلاعها العربان غدوا فرسان محرسها
كأن الصقر حاملها بجناحيه حارسها
متأهّب الغدوات في مرماه كي يقلع
والقبة الشمّاء رائعةٌ
مرفوعة على أركانها الأربع
كِندي تجلّى يومها في زخارفٍ نُصّع
وابن سلام بانيها من لمساته أبدع
بناة المجد وقفوا هناك بأرض المجد شدواكا
من عكف في محرابها قدسية عكست لنا مغزاكا
لو أنهم قد أطلقوا غازاً مسيّلَ للدموع
كي يطفئوا ضوء الشموع
لا تُلقي لهم بالاً ولا تشغلك أحوالٌ
فهم أتون لوبالٍ وحتف مصيرهم محتوم
بفعل قد مضي معلوم (وقضينا ..)
فابعث بعبق للنسيم وسنبلة
وإلى المرابع أوْصَله
ربيعُ زهر موسمي
من بعد ثمرات تفوح لبرتقال يافوي
رائحة مسك تدحر الكير الكريه

حتماً يزول دخان غازهم الملوث
والمدنس للشرى أو ما ترى
حتف مصرعهم جرى
في روضة الإسراء سوف تبقي
أرضك الغراء سامقة

حامي حدودها المغوار من فحواه فحواكا
فالذرة الشامية وشقائق النعمان
والأقحوان في خاصرة الأرض
أعوادٌ وأغصان الحياة الخضر
قمن في حاضرة الأرض
من روح الإباء والفداء
وفي غيداء الرخاء
ازدهين الوارفات كأنهن الأمهات
يبعثن صيحة والهٍ
من يُجب مستنفراً للنِدا إلاكا ؟
قبسٌ ينير محبةً على وجه الدُنا
قسمات خلق نيرات وجنها
بعثت تباسيم الصباح بلمسة الإشراقِ

قد لاح وجه بريقها
تزجي الرياح المزن فوق ربوعها
ودقاً وفيراً من ضروع سماءها
ليهدي الرقراق خالص عذبه
إلى وديانها وسهولها

على مرابعها الولوع بلحن رونقها الشجيّ
فيض المنابع التي غمرت حياض مروجها

وروض بستان نديّ

يلتاع يومه ليؤمه إلى السنام ليرتقي لعُلاه
في بزوغ فجرها وفي صفاء عيونها
أنت لها فمن لها إلّاكا
فالخير كل الخير قد صافح كفه يُمناكا

…..
[email protected]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى