مقالات

“فهم الذات” بقلم : خالد عمر حشوان

فهم الذات (وهو الاسم الذي أفضله أنا شخصياً) أو مفهوم الذات كما يسميه البعض، ويُعرف بأنه مجموعة من المعتقدات والأفكار التي يُدركها الفرد عن نفسه، وبتوضيح أشمل يكون بالإجابة على سؤال مهم وهو “من أنا؟” ويُعبَّر عن مُكوِّن معرفي أو وصفي لذات الفرد، يشمل كلا من الماضي والحاضر والمستقبل، أما ما يخص المستقبل فنعني به أفكار الفرد عمَّا يمكنه أن يكونه أو ما يرغب أن يكونه أو ما يخاف من أن يكونه في المستقبل، كما أن تصور الفرد لذاته مهم جدا لتأثيره البالغ على دوافعه ومواقفه وسلوكياته وشعوره وقيمته الذاتية ومستقبله وحياته بشكل عام.

يعتقد كارل روجرز أحد مؤسسي علم النفس الإنساني أن مفهوم الذات يتكون من ثلاث نقاط هي: وجهة نظر الفرد عن نفسه “الصورة الذاتية”، ثم مقدار قيمة النفس “احترام الذات أو تقدير الذات”، وثالثا هو ما يتمناه الفرد أن يكون عليه لاحقاً “الذات المثالية”. 

قد يسأل البعض عن كيفية فهم الفرد لذاته، حيث أن هناك عدة طرق رئيسة تساعد على ذلك ومن أهمها التعرّف على القدرات، وتجنب العيوب الداخلية عن طريق الاعتراف بها وإصلاحها كي لا تؤثر على المستقبل، وإكمال النواقص الشخصية ونعني بها معرفة الجوانب السلبية في الشخصية وعلاج الخلل فيها، وعدم المبالغة في المباهاة بما يفوق القدرة الشخصية أو التقليل منها لأنها تقلل من المصداقية واحترام الآخرين، كذلك التعرَّف على مميزات الشخصية وتوظيفها وتعزيزها والاعتزاز بها وتنميتها وتطويرها بما يواكب مجريات العصر، أما استثمار القدرات فهي أكثر الطرق التي تساعد على فهم الذات من خلال استثمار هذه القدرات بالطريقة المثلى وهي أفضل الوسائل للنجاح والتفوق والتميز، ويأتي بعدها احترام وتقدير الآخرين عن طريق ضبط النفس واحترام وجهات نظر الآخرين وإدارة الحوار بطريقة هادئة وعقلانية واستخدام أفضل أساليب الإقناع، وتقبل الفشل الذي يكون طريقاً للنجاح والتقدم عن طريق المثابرة والمحاولة الجادة وتجاهل الآراء السلبية والثقة بالنفس والاعتماد عليها حسب القدرة ومعرفة رسالة الفرد الرئيسة في الحياة، وهو ما يُسهِّل على الفرد فهم ذاته.

إن أهمية فهم الذات تكمن في جعل صحة الفرد النفسية سليمة ومحبوبة ومليئة بالنشاط والحيوية وأكثر دقة ووضوح في التعامل مع الآخرين، كما تساعد على معرفة نقاط القوة لاستثمارها في تحقيق أهداف الحياة، والإلمام بنقاط الضعف والتغلب عليها، والعيش بواقعية ومنطقية لعدم المبالغة في تقدير القدرات والمهارات، وعدم التقليل منها، وتساعد فئة الطلاب في تحديد التخصص الدراسي المناسب لقدراتهم وإمكاناتهم، ومعرفة طموحاتهم وأهدافهم المستقبلية، وتعزيز الثقة بالنفس والإمكانيات وتوظيفها التوظيف الأمثل لتحقيق ليس النجاح فقط، بل التفوق والتميز والسعادة في الحياة.

لذلك نحن الآن في أمس الحاجة لفهم ذواتنا جيداً وتدريب أبناءنا وبناتنا وكل من يُهمنا على كيفية التعرف عليها جيدا بعيداً عن المبالغة في وصفها أو التقليل منها، وتوسيع آفاقنا واكتشاف جوانب جديدة من شخصياتنا ومهاراتنا واهتماماتنا المخفية، وكيفية التعايش مع متغيرات الحياة من خلال التعامل معها بشكل إيجابي وبناء معرفتنا الذاتية من خلال التجارب، وزيادة فرص النمو الشخصي والتطور واستثمار معرفة الذات في تحقيق الأهداف المطلوبة وتطوير الذات بشكل أفضل وأسرع في الحياة، ولا أنسى المقولة الشهيرة التي تقول “إن التنافس مع الذات هو أفضل تنافس في العالم، فكلما تنافس الإنسان مع ذاته كلما تطور، بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس ولا يكون الغد كما هو اليوم”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى