مقالات

“معايير اختيار الزوجة في الإسلام” بقلم: خالد عمر حشوان

أحببت أن أبدأ هذا المقال بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام للتوضيح بطريقة فيها نوع من السهولة واليسر للقارئ الكريم والذي يخص موضوع المقال ووصيته عليه الصلاة والسلام في اختيار المرأة في الإسلام، والمعايير المهمة والأساسية لهذا الاختيار في قوله: ” تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبِها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدين تربتْ يداك ” (متفق عليه)، ومعنى تربت يداك: أي دعاء بالخير وحمل الخير والانتفاع به.

وهذا يعني أن اختيار المرأة في الإسلام لابد أن يكون على الأسس التي حددها الرسول بكلمة “لأربع” في الحديث، رغم أن هناك أسس ومعايير أخرى ينبغي مراعاتها أو التنازل عنها في سبيل الظفر والفوز بالأساس المهم وهو معيار الدين ونفصلها في التالي:

المعايير الأربعة التي حددها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هي :-

أولا: المال :- هو من المعايير المهمة لدى البعض من الناس عند رغبتهم الزواج من المرأة وقد يطغى هذا المعيار على معيار الدين أحيانا وأهميته في بناء الأسرة لدى بعض من الأسر خاصة مؤخرا بسبب غلاء المعيشة وزيادة الأسعار وتباهي البشر وتفاخرهم بالمال الذي ألهاهم عن اختيار المعيار الأهم وهو الدين ولكنه أساس للاختيار كما ذكرنا عند البعض (وهذا لا يعني أن التي تملك المال لا تملك الدين بل قد يجتمع الاثنان معا) وفيهما خير كبير.

ثانيا: الحسب والأصل :- فاختيار الحسب والأصل له أثر كبير في تكوين أسرة كريمة وصالحة وذلك لترعرع أفرادها وتنشئة أخلاقهم وعاداتهم على الخير والصلاح، لذا ينبغي اختيار الأصل ونساء العروق والسمعة الطيبة اللاتي يتسمن بالاستقامة والأخلاق الفاضلة وحسن السيرة.

ثالثا: الجمال :- هو معيار مهم أيضا عند البعض بشرط ألا يتعارض الجمال مع الدين والصلاح، لأنه في حالة التعارض أصبح الجمال بلا قيمة، وهو يختلف من طرف لآخر في الرؤية الشرعية للمرأة قبل الزواج، كما أن ليس الجمال وحده الذي يحدد السعادة الزوجية لأنه يفنى مع الزمن ويبقى الأصل والطبع والدين والصلاح كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام “الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ “(صحيح مسلم).

رابعا: الدين :- هو أهم هذه المعايير وقد جعله الرسول عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث للتركيز عليه ودعمه بالنصيحة الختامية “فأظفر بذات الدين تربت يداك” والظفر معناه الفوز لأن الدنيا تحتاج إلى زوجة مُعينه للاستعداد للآخرة مثل صيانة الشرف وتقوى الله والعفاف وحفظ الكرامة والاعانة على العبادات والمودة والرحمة وتربية الأبناء والتنشئة الصالحة للدنيا قبل الآخرة.

وسوف أذكر لكم قصة مؤثرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع بائعة اللبن :-

في فترة إمارته رضي الله عنه، شكى المسلمون له من غش بائعي اللبن الذين يضيفون له بعض الماء لزيادته، فأمر المنادي بأن ينادي في بائعي اللبن بألا يغشوا في اللبن وأن من يفعل ذلك سوف يعاقب عقابا شديدا.

وفي ليلة ظلماء خرج عمر بن الخطاب مع خادمة لتفقد أحوال المسلمين كالمعتاد، وفي جوف الليل جلس في إحدى الطرقات ليستريح من التجول بجانب أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها “قومي إلى ذلك اللبن فأمذقيه” (أي أخلطيه بالماء) فقالت الابنة: يا أماه، وما عملت ما كان من عزمه أمير المؤمنين اليوم؟ فقالت الأم: يا بنيتي قومي إلى اللبن فأمذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت الفتاة: والله ماكنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا فرب أمير المؤمنين يرانا”.

فأعجب عمر بصلاح وتقوى هذه الفتاة وخوفها من الله وحدد البيت وتحرى عن ساكنيه في اليوم التالي وعرف أنها عجوز ولها ابنة تدعى أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي وليس لهما رجل، فعرض على أبنائه الزواج منها وقبل ذلك ابنه عاصم الذي لم يتزوج بعد، وأنجبت له بنتا ثم أنجبت هذه البنت ابنة صارت أما للخليفة “عمر بن عبد العزيز” خامس الخلفاء الراشدين.

وهنا تذكرت قول الله تعالى ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا “

فتقوى الله عند هذه الفتاة جعل لها مخرج من الفقر والحاجة ومخرج من الغش لو أطاعت والدتها ومزجت اللبن بالماء، ولكن الله أكرمها بالزواج من ابن أمير المؤمنين عاصم بن عمر بن الخطاب ذي الحسب والنسب وساق الله لها قدرها إلى باب دارها وجعل من نسلها أميرا للمؤمنين هو عمر بن عبد العز الخليفة العادل.

ختاما يعد اختيار المرأة من الخطوات الأكثر أهمية في تكوين الأسرة وهو الذي يحدد سعادتها واستمرار كيانها الاجتماعي ومدى تأثيرها بالظروف الاجتماعية والاقتصادية وترابطه بالجانب النفسي والرغبات الشخصية أو بمعايير المجتمع المختلفة، حيث يعد الاهتمام بدراسة التوافق في الزواج اتجاها عالميا حديثا لأنه ركيزة أساسية في نمو الأسرة واستمرارها واستقرار أفرادها ويعتبر حسن اختيار المرأة أيضا هو أخطر القرارات في الحياة الزوجية والمرحلة الحاسمة لها لتأثيره البالغ على تحقيق التوافق والانسجام بين الطرفين وتنشئة أجيال صالحة تفيد الأسرة والمجتمع في المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى