مقالات

“حُرّاس المعرفة في زمن الضجيج الرقمي: الدور المتجدد لأخصائي مصادر التعلم” بقلم : خميس بن سعيد الحربي

في ملتقى التجارب والفرص الذي نوقش فيه موضوع “الذكاء الاصطناعي في مراكز مصادر التعلم، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في الدور المتجدد لأخصائي مصادر التعلم، ففي زخم الثورة التكنولوجية لا سيما مع تصاعد استخدام الذكاء الاصطناعي ينبغي علينا أن نعي حجم التحوّل الذي يشهده هذا التخصص.

بالأمس كان دور أخصائي مصادر التعلم يقتصر على تنظيم مصادر المعلومات، وفهرستها، وتصنيفها، وتكشيفها، وتسجيلها. وهي مهام فنية بحتة. أما اليوم ومع تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي بدأت هذه الأدوار التقليدية تتراجع شيئًا فشيئًا، ومن هذا المنطلق تم وصف أخصائي مصادر التعلم بـ “حارس الوعي المعرفي” ذاك الأخصائي الذي لا يكتفي بترتيب الكتب وتنظيم الرفوف، بل يتجاوز دوره الظاهر ليكون نبضًا حيويًا في قلب مركز مصادر التعلم.

يتحرك بخفة بين رفوف المعرفة ويحمل في يده مفاتيح الفهم وفي قلبه شغف التوجيه، يرافق الطلبة في رحلتهم نحو الوعي والمعرفة.

كما أشار الصقري (2025):

“لم تعد مهمة أخصائي مصادر التعلم تقتصر على إدارة مصادر المعلومات المختلفة، بل تحوّلت إلى دور أعمق وأكثر تأثيرًا؛ حيث أصبح حاميًا للحقيقة، ومدرّبًا على الوعي، وقائدًا لمعارك صامتة ضد التضليل المعلوماتي.”

وأرى أن هذا التحوّل العميق لا يعد مجرد تطور في المهام، بل هو ارتقاء في الرسالة ذاتها فأن تكون حاميًا للحقيقة يعني أن تقف في وجه سيلٍ من المعلومات المضللة وأن تكون مدربًا على الوعي يعني أن تبني عقولًا ناقدة، لا تكتفي بالتلقّي، بل تسأل وتفكر. أما أن تكون قائدًا لمعارك صامتة فذلك يتطلب وعيًا حادًا ويقظة دائمة وإيمانًا راسخًا بالرسالة التربوية.

وفي ظل هذا التحول تتعاظم أهمية دوره كقائد يعمل بصمت لكنه يخوض معركة واعية من أجل ترسيخ الحقيقة ونشر الوعي، إنه دور يستحق التقدير لأنه يمثل قلب العمل التربوي في عصر ازدحمت فيه الساحة بالضجيج وفقدت فيه المعلومة أحيانًا نقاءها.

نداء إلى أخصائيي مصادر التعلم: أيها الأوفياء لرسالة العلم، يا من تحملون على عاتقكم مسؤولية التنوير والتوجيه في زمن تتسارع فيه الإشارات وتتداخل فيه الأصوات أنتم لستم مجرد أخصائيين لمصادر التعلم بل أنتم صوت العقل وسط ضجيج التفاعل اللحظي، أنتم من تصفون الرؤية وتبنون الجسور بين المعرفة والوعي وتديرون المشهد التربوي بحكمة ووعي في عالم يغرق في الفوضى الرقمية وتدفق المعلومات غير المفلترة، في هذا العالم المترامي الأطراف الذي يفيض بالمحتوى ويكاد يختنق بالضوضاء أنتم الحصن المنيع الذي يحمي طلابنا من تيارات التضليل أنتم البوصلة التي توجههم نحو النور، خطوة بخطوة بفكرٍ نقي ونية صافية.

أنتم القادة الحقيقيون في ترسيخ أخلاقيات المشاركة الرقمية تزرعون في نفوس النشء قيماً نبيلة : احترام الآخر والأمانة في النشر والوعي بما يُقال ويعاد تداوله. أنتم من يشعل شموع الوعي في عتمة العشوائية الرقمية فكونوا دائمًا الحضور العاقل في الفضاء الرقمي.

لا تنتظروا أن يأتي التغيير من الخارج، بل كونوا أنتم شرارته الأولى، كونوا المؤثرين لا المتأثرين، وازرعوا أثرًا لا يمحى في ذاكرة الأجيال، ابنوا فضاءات رقمية واعية تحترم الإنسان وتعلي من شأن الفكر، أنتم الأمل حين تبهت الرؤية، وأنتم الفعل حين يكثر الكلام، فامضوا بثقة وارتقوا برسالتكم فأنتم روّاد التغيير وصنّاع الغد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى