“حينما تحل ضيفًا على الرحمن” بقلم ابراهيم القاسمي
كلما شّد الحجيج رحالهم وتيممو أقدس البقاع وأطهرها حيث تُمحى الزلات وتنهال العبرات ويتجرد المخلوق من هذه الدنيا الفانية، حين يتركون المال والآل، واللذائذ، ولطيف المراح بين وثير الأثاث، وإلتزام الأعمال، حين يتنازل الإنسان عن أقرانه، وأوطانه ويترنم بعذوبة التلبية التي أوحاها الله لخليله أن يبثها لتتردد عبر العصور وتشنف المسامع وتطرب الأفئدة، لبيك اللهم لبيك، تنساب معها الدموع وتتفطر القلوب شوقًا وتهيم الروح لهفة، أيها الراحلون لمضيفة الله يامن حللتم ضيوفًا على الكريم في البلد الكريم فالشهر الكريم هنئتم بذاك الشرف وبهذه المنزلة وإن الفؤاد ليهفو وفي النفس شغف للعيد في وادي المزدلفة والوقوف في صعيد عرفة الغراء قد شغفني وأكمد قلبي، وهيج العين لترسل بناتها وهي ترنو إلى السجود في أوبه وتوبة مما أكثرته نفسي الجهول من المعاصي، تالله مايفرح القلب نيل الأموال ولا كثرة الأولاد ولا المناصب بل يسعدها غسيل الذنوب ونيل شرف التقرب لله سبحانه …
يانفس إن فاتتك أيام الله لكي تنالي رضاه فمذا كسبتي؟ يانفس تمر الأيام وأنتِ في غفلة بعد أن تكرم الجليل وأفاض عليك بجزيل كرمه فجحدتي النعم ونسيتي الشكر، يا نفس ويحك هل تصبرين على إحراقي بالنار، يا نفس ويحك إن مرت الأيام ولم تنالي الفرصة وهيه سهلة الاقتناص، يا نفس ويحك إن رزقتي الاستطاعة لآداء الفرض الخامس والتطهر من الذنوب ورجعتي للهوى والخذلان يا نفس ويحك إن لم تبكي على المعاصي، أيها الحجيج يا من نزلتم بتلك البقاع الطاهرات حيث المناسك التي سنّها الخليل وأكملها سيد الثقلين عليه أزكى الصلوات وأتم التسليم، تزودوا أيها الأحبة بنفحات الله وأكرمونا بصدق الدعاء وشملونا بصدق العواطف، عسى الله أن يجتبينا وإياكم بالقبول، لقد رَّق الفؤاد وتهيجت الأحاسيس لتطوف بين الركن اليماني والعراقي والشرقي والركن الشامي والمقام الأغر والحجر الأسود، وإلى معجزة الله الباقية التي أنقذ بها الأم الرؤوم التي خافت على رضيعها فزم الماء رقراقًا يبث الحياة على آل البيت وكل من زار البيت ليتلذذ ويرتوي بهذه المعجزة الدفاقة الشافية، أيتها المآذن بين جبل أبي قبيس والطود الأمين لقد اشتقت نداءات الآذان، يا كعبة الرحمن يا حبيبة القلب ويا منى النفس وراحة البال، أشهد الله أني مشتاق لجنباتك الطاهرة كي أبث ما ترنو إليه نفسي حين أطوف بجوارك، يا ضيوف الرحمن يامن نزلتم بالبقيع وقباء يامن ارتشفتم أريج النسمات بطيبة الطيبة وساكنها المبجل عليه أطيب الصلوات وأتم التسليم وعلى كل آله وأصحابه وأزواجه، كم ارتاحت النفوس بجواركم وأحست بلطف جنابكم، أيها الراحلون لي مع قوافلكم حنين وذكريات وأمنيات، اللهم بلغنا رضاك وأرزقنا جنتك وأكتب لنا أن نحج ونعتمر أزمنة عديدة، اللهم زد بيتك وقارًا وزد قلوبنا شغفًا وحبًا وتعظيمًا له، اللهم أدم الأمن لبيتك الحرام والمدينة الغالية وحرر الأقصى الشريف وأرزقنا شرف الصلاة فيه قبل الموت، أيها الراحلون إلى مضيفة ملك الملوك يامن ستقفون على صعيد عرفة وسترمون جمراتكم وبكل جمرة تُصفى قلوبكم من الران وتولدون وأنتم تكتسون حله الصلاح …..
اللهم احفظ عبيدك الحجاج وسلمهم وتقبل منهم وأرزقنا يارب تلك اللحضات …