مقالات

“حال البعض منا في رمضان” بقلم : خالد عمر حشوان

شهر رمضان المبارك هو الشهر التاسع من السنة الهجرية وهو شهر القرآن الكريم الذي أُنزِل فيه كما قال الله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة-185)، وهو أيضا شهر الصوم حيث أن صَومُ رمضان يُعد الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة الذي قال الله فيه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة-183)، وقد سَمَّاه المصطفى عليه الصلاة والسلام بشهر الصَّبْر في قوله “شَهْرُ الصَبرِ، وَثلاثةُ أيامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ” (رواه الألباني وأخرجة النسائي وأحمد)، والصبر يكون على طاعة الله، وعن محارم الله، وعلى أقدار الله خاصة في هذا الشهر كالصبر على الصلاة وذكر الله وختم القرآن وغيرها من الطاعات التي تُقربنا من الله، وتُبعدنا عمَّا حرم الله من الشهوات والمعاصي، والصبر على ما يحصل للصائم فيه من الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، فيثاب عليه بإذن الله، لذلك كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يدعون الله ستة أشهر أن يُبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
ورغم أن الشياطين ومَردةُ الجن تُصَفَّد في رمضان كما قال عليه الصلاة والسلام “إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ” (رواه الألباني – وأخرجه الترمذي وابن ماجه)، إلا أننا اُبتلينا بشياطين الإنس وأعداء الله من دعاة الضلال الذين شغلوا المسلمين عن التفرغ للعبادات في هذا الشهر الفضيل ببعض العادات والتقاليد والتراث الشعبي والأكلات الشعبية وموائد رمضان وفوانيس رمضان وبرامج ومسابقات ومسلسلات وسهرات رمضان وتخفيضات رمضان والدورات الرمضانية الرياضية التي انجرفت لها بعض الأجيال الحالية لإبعادهم عن الهدف الحقيقي الذي فُرِضَ من أجله شهر رمضان، فأصبحت هذه العادات الوهمية جزء لا يتجزأ من حياتهم في رمضان الذي من المفروض أن يكون كل مسلم ومسلمه قد استعدَّ له بالنية الصادقة والتوبة النصوح وتهيئة القلوب للخشوع لله والتفرغ للعبادة، ورَسَمَ له ولأبنائه في هذا الشهر خطة مُحْكَمَة تتلخص في تنظيم الوقت والنوم والمحافظة على الصلوات المفروضة والنافلة وصلاة القيام والتهجد والإكثار من الدعاء والاستغفار والتعاون على البر وتنظيم جدول زمني لختم القرآن الكريم والتدبر فيه والتأمل في أوامره ونواهيه وفي القصص والأمثال العظيمة التي ذكرها الله فيه، والحرص على أعمال الخير كما كان رسولنا عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة في رمضان، ناهيك عن الفرصة العظيمة التي أنعم الله بها على عبادة المسلمين في هذا الشهر حتى لو تم التقصير أو التفريط في أوله أو أوسطه وهي العشر الأواخر من شهر رمضان التي كان عليه الصلاة والسلام يجتهد ويعتكف فيها لسببين أولهما وجود ليلة القدر فيها والتي قال عنها عليه الصلاة والسلام “مَن صَامَ رمَضان إيمَاناً واحتِسَاباً غُفِرَ لَه مَا تَقدَّم مِنْ ذَنبهِ، ومَنْ قَامَ لَيلَة القَدْرِ إيمَاناً واحتِسَاباً غُفِرَ لَه مَا تَقدَّم مِنْ ذَنبِهِ” (رواه البخاري)، وثانيهما أن هذه الليالي العشر هي ختام هذا الشهر المبارك وإنَّما الأعمال بالخواتيم كما قال عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان “إذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ” (متفق عليه)، وهو خير البشر وسَيِّدُ ولدِ آدم وقد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والمؤلم في ذلك أنك تجد من يترك فضل هذه العشر الأواخر وثوابها بسبب هذه العادات الوهمية أو قضاء الكثير من الأوقات في الأسواق لشراء احتياجات وملابس عيد الفطر الذي قد يدركه الأجل قبل حلوله.
أما الرسالة التي أرغب توجيهها لكل مسلم ومسلمة هي تعظيم هذا الشهر الكريم كما كان يُعظِّمَه النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بأداء الصلاة وحسن الصيام وقراءة القرآن وتقوى الله وتزكية النفوس وتطهيرها من الذنوب والإحساس بالفقراء والمساكين والإحسان إليهم والشعور بنعم الله علينا طوال العام والحرص على الطاعات التي تُقربنا من الله كما قال الله عز وجل في كتابه {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج-32) والأهم من ذلك هو زرع حُب شهر رمضان وعظمته في نفوس الأبناء والأجيال القادمة وتعليمهم كيفية التخطيط له وتحذيرهم من التفريط في هذه الأيام بهذه العادات الضالة وحثهم وتشجيعهم على صيامه وقيامه وختم كتاب الله الكريم فيه، فهل ستترك أخي المسلم أختي المسلمة شهر واحد فقط تُفتح فيه أبواب الجِنان وتُضاعف فيه الحَسنات وتُقال فيه العَثرات وتُجاب فيه الدعَوات وتُرفع فيه الدرجَات وتُغفر فيه السَّيئات ويجود اللهُ فيه على عباده بأنواع الكرامات ويجزل فيه العطيات ويَعتِق فيه أنفس من النيران؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى