كل أربعاء مع فاضل المزروعي

ماذا نريد من الرياضة؟

الرياضة نمط حياة.. الرياضة صحة ..الرياضة تنافس ..الرياضة صناعة..الرياضة ترفيه وترويح ، هذه الأنماط تجدها في جميع دول المعمورة بعضها مجتمعة وبعضها بنسب متفاوتة !!

فالرياضة بمفهومها
هي مجهود جسدي عادي أو مهارة تُمَارَس وسط قواعد ونظم مُتفق عليها بهدف الترفيه أو المنافَسة أو المُتعة أو التميز أو تطوير المهارات ، وتختلف الأهداف من حيث اجتماعها أو انفرادها كما ذكر سابقا.
فالرياضة خلقت مع الإنسان من خلال المشي والجري والقفز والسباحة والغطس والرماية وركوب الخيل ورمي الرمح والتجديف و غيرها، ثم تلاحقت الرياضات الأخرى بعضها أقتبس محاكاة للحياة والطبيعة وبعضها بالصدفة وطورت مع الزمن حتى أصبح
عدد الرياضات بالعالم ما يقارب 8000 رياضة ، منها 200 نوع يحظى باعتراف دولي في العالم، وبعض هذه الرياضات فردية وبعضها الآخر يُلعب ضمن فريق، كما أنها تختلف باختلاف الأدوات المستخدمة فيها.
وهنا لسنا في صدد شرح الرياضات الممارسة عددها ونوعها، بل من أجل أن نسلط الضوء على النمط الذي نمارسه نحن في بلادنا التي هي جزء لا يتجزأ من هذا العالم ، والرياضي العماني لا ينأى عن الرياضة العالمية!

هذه المقدمة تقودنا لسؤال ، ماذا نريد من الرياضة ؟

بطبيعة الحال على المستوى الفردي يريد البعض أن يجعلها نمط حياة وآخر صحة وآخر يصل حد المنافسة .

أما على المستوى العام فتحظى الرياضة بإهتمام كبير منذ عقود وتطورت مع السنوات سواء كألعاب فردية أو جماعية فأطلقت مسابقات وبطولات ثم بعدها أشهرت اتحادات بعد أن كانت البداية بوزارة الاعلام والشباب ثم وزارة التربية والتعليم والشباب، ثم الهيئةالعامة للرياضة والشباب، بعدها وزارة الشؤون الرياضية وأخيرا وزارة الثقافة والرياضة والشباب ، وبلغ عدد الاتحادات واللجان الرياضية ٣٧ اتحادا ولجنة، وبلغ عدد الأندية مؤخرا ٥٠ ناديا.

كما حظيت الرياضة في السلطنة بدعم وافر من الحكومة من خلال دعمها السنوي للأندية وإهتمامها بالبنى الأساسية من منشأت ومرافق ، وكذلك حظي الرياضي العماني بالتأهيل والتطوير خلال العقود الماضية من خلال إبتعاثه لمنح رياضية وإلحاقه بدورات متخصصة ،كما أنشأت أكاديمية تعنى بالتأهيل والتطوير.
كل ذلك أرسى دعائم جيدة للرياضة من أجل الإنطلاق إلى مستوى تنافسي عالي يجعل السلطنة في مقدمة بعض الرياضات أو منافسة لها .
فبرغم آلاف الميداليات التي حصدتها الرياضة العمانية خلال الإثنين والخمسين عاما الماضية إلا أننا لم نصل إلى الهدف المنشود بعد ، فلم تحقق الرياضة ميدالية عالمية ولاحتى أولمبية وهي أعلى مراتب التفوق والنجاح وحصاد للعمل والجهد المضني الذي بذل .

ترى ماهي أسباب عدم تحقيقنا لأي لقب عالمي أو أولمبي؟

إن تحقيق الألقاب يحتاج إلى تخطيط طويل الأمد وإلى إستراتيجيات متوالية تمر بمراحل ومحطات تصاعدية يواكبها فكر رياضي وإخلاص في النية والعمل والتكاتف من جميع الأطراف المعنية فردية ومجتمعية وحكومية وقطاع خاص، ثم نأتي إلى الأهم وهو الدعم المادي السخي والمستدام الذي يجب أن يخصص وحجم كل مرحلة ، فكلما تقدمت إلى مرحلة أعلى يزداد الصرف بصورة تلقائية.
فلو ألقينا نظرة إلى السنوات الماضية نجد أن رياضتنا تعتمد إعتماد كلي على العائد الحكومي وما تحصل عليه من دعم سنوي من خلال موازنات سنوية تعلو تارة وتنخفض تارة أخرى حسب الظروف الإقتصادية للبلاد . رياضة السلطنة تفتقد إلى شريك وعنصر أساسي وهو القطاع الخاص الذي ينأى بنفسه بعيدا عن الرياضة ودعمها عدا النزر اليسير وفي المناسبات .
وبكل أسف القطاع الخاص في السلطنة يكف يده ويبخل على الرياضة بخلا صريحا رغم إستجداءه في كثير من المناسبات من خلال الندوات والمؤتمرات وورش العمل التي أقيمت خصيصا للبحث عن سبل لإقحام القطاع الخاص وجعله شريكا دائما وأساسيا لدعم الرياضة ،لكن للأسف جميعها فشلت ، كما شكلت لجان وفرق لدعم الرياضة سرعان ما تلاشت .

قد يرى البعض أن القطاع الخاص معه الحق في الإبتعاد لأنه لم ير بيئة جاذبة وعناصر مشوقة تجعله يدخل بكل ثقة يحقق من خلالها أهدافه وفوائده في آن واحد، ودائما ما يقفز هذا السؤال مع ذكر دعم القطاع الخاص للرياضة ، وهو ماذا يستفيد القطاع الخاص من الدعم ؟
إذا ما تحسنت وأكتملت البيئة الرياضية وأصبحت بيئة جاذبة مع تكاتف الأطراف الأساسية للمنظومة بداية من المدارس والأندية والوزارة والإعلام والجماهير، ستكون النتيجة صنع أو إبتكار منتج قوي تستفيد منه كل الأطراف وسيغير وجه الرياضة بالسلطنة.

علينا أن ندرس بتمهل وعمق العناصر والمقومات التي نمتلكها من أجل صناعة هذا المنتج القوي ودراسة خاصية المجتمع وظروفه الإقتصادية أيضا ، فالسلطنة تملك الكثير من المقومات التي تجعلنا في التفرد بمنتج يكون جاذبا ومكسبا في نفس الوقت.

فرغم أن العالم يتجه إلى كرة القدم التي لم تعد كرة تركلها القدم ويجري خلفها اللاعبون وجماهير تهتف ، بل أصبحت صناعة تدر المليارات ، نعم المليارات من الدولارات ،حتى تلك الدول التي كانت كرة القدم ليست لعبة شعبية فيها إقتحمت هذه الصناعة، لكن لايعني أن كرة القدم وحدها من تجلب الأموال فرياضات أخرى نجحت وأستقطبت القطاع الخاص ونجحت معه .
وكما نذكر دائما أن تنوع التضاريس في البلاد من الممكن أن يجعلها تتميز ،كمثال الرياضات البحرية ، أو الرياضات الجبلية وحتى الصحراوية ، فطواف عمان من الأمثلة الناجحة ليكون منتج قوي، أيضا رياضة المحركات وبالخصوص الراليات التي تعد جولة عمان من أنجح جولات الشرق الأوسط وفي عام ٢٠١٧ كادت أن تصبح جولة عالمية ( تجريبية) بعد زيارة رئيس الاتحاد الدولي للسيارات ومتابعته لجولة من الجولات التي شدت إعجابه دفعه إلى الموافقة على تنظيم جولة عالمية مع بعض شروط الأمن والسلامة ،لكن ذلك لم يتم للأسف ، ولدينا مثال حي في حلبة مسقط أرينا بالجمعية العمانية للسيارات التي تنظم عشرات المسابقات المحلية والإقليمية والعالمية الناجحة.
تلك نماذج ممكن أن ننجح فيها وأن نثير حماسة القطاع الخاص ودفعه للشراكة.
بعد التطواف في هذا المقال في أكثر من زاوية ، من الضروري جدا أن نحدد أهدافنا أولا من ممارسة الرياضة ، هل نمارسها للترفيه والترويح ، أم المشاركة من أجل التواجد ،أم المنافسة على المستوى العالي ، أم نفكر مستقبلا بأن تكون صناعة كما هو الحال في معظم دول العالم ؟
إذا إتضح الهدف،فبإمكاننا أن نبدأ خطوة الألف ميل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى