“بدر عبدالمحسن شاعر الإنسانية” بقلم : على محمد قاسم
إذا أردنا تعريف الشاعر فقلنا بأنه إنسان حباه الله طاقة شعورية، تزيد عما يملك سائر الناس، تجعله يشعر بمشاعر الإنسانية جمعاء، فينطق عن لسانها، أراني بهذا التعريف، قد أصبت رأس الحقيقة.
هو تعريف يشهد الحق، أنه ينطبق تمامَ الانطباق، على الراحل الكريم، الأمير بدر عبدالمحسن، الأمير بنسبه وشعره، الشعر الذي يتضوّع شذاه، ويبقي لقائله أطيب ذكر وأثر، بل يبقيه بدراً يحسن إلى الليالي، في نواحي البوادي والمدائن، بسنا الأنوار، ونسائم الأشعار، الدائرة دوران الكواكب
والأفلاك.
يشهد الشعرُ نفسُه لبدر عبدالمحسن، أنه كان طاقة شعورية، تنفذ أشعتها إلى ضمير الإنسانية، الخافي في روح الإنسان، وتمعن في نفاذها لتبلغ خوافي الحياة، هنالك حيث أسرارها ومُعمّياتها ومجاهلها، التي لا يكتشفها ولا يجلّيها ويحسر عن وجوهها اللثام، إلا لسان الشاعر الناطق بمعاناة الإنسان بحياته، وما يلاقيه من بأساء الحياة، الثقيلة الأعباء، والكثيرة التكاليف، والمليئة بالهموم والأحزان، وبما يشقي النفس الإنسانية المسكينة، والمتمسكة بأهداب الآمال والأماني، تصلها برجاء خالقها الرحيم، تعلقاً برحمته وفضله، وهي واثقة بعطاء ربها، وصابرة على ابتلائه.
كذلك كان شعر الأمير بدر عبدالمحسن، تعبيراً عن النفس الإنسانية، وما يصطرع فيها من مشاعر شتى، نتيجة سعيها في الحياة، أو لمجرد وجودها بين سمائها وأرضها، وتقلبها بين ليلها ونهارها، وما يحملان للإنسان من شقاء أو سعادة، من حزن يظلم كالليل، أو فرح ينير كالصباح، ثم تكون
غاية الشعور إما بكاء وإما ضحكاً، يفضي كلاهما إلى دموع تغمر القلوب والعيون، وتجبر الإنسان على الإيمان بأن معاشه فانٍ، ودنياه دار غرور.
اقرأ هذا البيت لبدر عبدالمحسن وتأمله:
أنا سجين الحال مهما تسليت وانا الطليق وكل شيٍ قضبني
إنه بين شعري يسمو على الشرح والبيان، ويساوي في معناه ألوف القصائد، ويفوق دواوين أشعارٍ، لا في الشعر العربي فحسب، ولكن في الشعر الإنساني على الإطلاق، إنه يمثل الإنسان واقفاً أمام تناقضات الحياة المحيرة، وجها لوجه، وهو بلا حول ولا قوة.
اقرأ أيضا هذا البيت وتأمله:
أنا ما لي بها الدنيا حبيب عنه تنشدني غريب الدار لا ربع ولا خل ولا ديرة أيستطيع شاعر أن يعبر عن معاناة الإنسان، وآلامه ومتاعبه، كما عبر بدر عبدالمحسن بهذا البيت،
والبيت الذي قبله؟!! ويختصر المعاني الكثيرة كما اختصرها بشطرين من بيت واحد.
لقد قال الشعراء كثيرا وكثيراً في القديم والحديث، وفي الشرق والغرب، ولا سيما شعراء العرب، لأن العرب كما قيل أمة شاعرة، والشعر يمثل ديوان أخلاقهم وتاريخهم، ومن الشعراء من عرفنا ومن لم نعرف، من خلد شعره، ومن لم يخلد، ولكن الحقيقة أن معاناة الحياة باقية ومستمرة، وقد
عبر عن صورتها أحسنَ تعبير بدر عبدالمحسن، فعرف الناس شعره وتغنوا به، وخلدت سيرته به، وخلدت قبل ذلك بأخلاقه وصفاته وآدابه وأعماله.