“المُخدرات الرقمية وآثارها” بقلم : خالد عمر حشوان
كما يتطور كلٌ ما حولنا في الحياة بسبب ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال، تتطور أيضا المخدرات وكل ما يُؤذي بني البشر حتى وصلنا إلى “المخدرات الرقمية” والتي تُعتبر قديمة وحديثة في نفس الوقت وهي عبارة عن ملفات صوتية تحتوي على نغمات يتم سماعها على شكل ترددات أو موجات صوتية تُسمى “الضوضاء البيضاء” عبر سَمَّاعات توضع على كِلتا الأذنين لتبث ترددات معينة وغير مألوفة للأذن اليمنى وترددات أخرى أقل للأذن اليُسرى ويكون الفارق بينهما ضئيلا ليصعب على الدماغ توحيد هذه الترددات ويجعله في حالة غير مستقرة من الخَدَرْ للإشارات الكهربائية العصبية التي يرسلها، وهي تعتبر طريقة لتنشيط التفاعلات الكيميائية التي تُحركها المخدرات التقليدية دون التعاطي الفعلي للمخدرات وتنقل المُستمع إلى عالم اللاوعي وتبعده من عالم الواقع إلى عالم الهلوسة والنشوة، حيث يتم بيع وترويج هذه الملفات على مواقع الشبكة العنكبوتية “الأنترنت” عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وهو ما يكمن في خطورتها وسهولة الحصول عليها بين الأطفال والشباب والمراهقين في الدول التي لديها ضعف في الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبنظرة سريعة على نشأة هذا النوع من المخدرات، فإن مكتشفها هو العالم الألماني هينريش دوف عام 1839م، حيث تمكَّن قديماً من استخدامها في عام 1970م لعلاج بعض الحالات النفسية لمرضى الاكتئاب الخفيف والمرضى الرافضون للعلاج السلوكي “العلاج بالأدوية” وكان يُعالج المرضى عن طريق الذبذبات الكهرومغناطيسية لإفراز مواد مُنشِّطة للمزاج لعدِّة ثوان أو جزء من الثانية على ألا تزيد عن مرتين يومياً وخاصة مستشفيات الصحة النفسية، ونظرا لتكلفتها الباهظة توقف العلاج بهذه الطريقة في تلك الفترة.
والغريب في الأمر أن للمخدرات الرقمية شروط وطقوس عند سماعها، حيث يتم إرشاد المتعاطي لها عند الشراء، ومنها ضرورة امتلاك المتعاطي لسمَّاعات ذات جودة عالية لأن الفارق بين طرفي السماعة هو الذي يُحدد حجم الجرعة، وأن يكون المتعاطي في مكان محدود كحجرة مغلقة مثلا وتكون ذات إضاءة منخفضة ويتم معها عَصْب العينين وارتداء ملابس فضفاضة وشرب كمية من الماء قبل الاستماع للمقاطع من أجل الوصول إلى قمة التأثير والنشوة المطلوبة، وللمخدرات الرقمية عدة أنواع مثل نغمات الأسطورة البلورية والموجات العالية المُحفزِّة وموجات الكحول وموجات الأفيون وموجات الماريجوانا، وأشدها هي موجات الكوكائين والموجات الجنسية للشباب والمراهقين وموجات الترفيه.
أما فيما يتعلق بأضرار المخدرات الرقمية، فأولها يكمن في الأضرار الاقتصادية وتأثير الجيل المُدمن على البلاد الذي يعيق التقدم الاقتصادي والتنمية فيها وتحَمُّلها نفقات عالية لمكافحة هذه النوع من المخدرات، ولها أيضا آثار صحية على الثروة الشبابية للأوطان حيث تكون سببا رئيسا في تكرار الصداع وزيادة حالة الأرق والاكتئاب والكوابيس وكثرة القلق وتفاقم حِدِّة نوبات الصرع والتشنج العضلي والعصبي وتسبب لمرضى القلب مضاعفات صحية خطيرة وفقد كلي أو جزئي للإدراك وإخفاق في الدراسة وفشل في العمل والحياة، مما يعني أن لها تأثير قوي على الفرد والمجتمع أيضا بزيادة عدد المدمنين وخاصة الشباب والمراهقين وزيادة البطالة والتفكك الأسرى وحالات الطلاق والعنوسة وتشتت الأطفال وزيادة معدلات الجرائم والحوادث والأمراض.
لذلك لابد لكافة الدول التي تسعى للقضاء على المخدرات الرقمية بذل جهود جَبَّارة للحفاظ على الثروة الشبابية بمراقبة الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي والحد من انتشار المواقع المُروجة للمخدرات الرقمية وحجبها داخلياً، وتوعية الأُسَر بمخاطر المخدرات الرقمية ومراقبة الأبناء عند استخدام الإنترنت والهواتف وأصدقائهم والمقربين منهم وأي تغييرات طارئة ومُستجَدَّة على حياتهم وتصرفاتهم وسلوكهم، وتوعية المؤسسات الاجتماعية خاصة المدراس والجامعات والمساجد بتكثيف الدورات والندوات والخطب التحذيرية للشباب والمراهقين وتوضيح آثارها السيئة على الفرد والمجتمع، وتنشيط الفعاليات والنشاطات الرياضية والتطوعية لإيجاد متنفس للمراهقين والشباب وإشغال أوقات فراغهم خاصة في فترات الصيف والإجازات الدراسية وتشجيع توظيف الطلاب وتدريبهم عملياً في إجازات الصيف وإعدادهم للمستقبل بدلا من تركهم للفراغ والسهر، وعلى الجانب الدولي لابد من التكاتف والتنسيق والتعاون لتحديد مصادر هذا النوع من المخدرات وضبط مروجيها، وأخيراً إنشاء مراكز متخصصة وأقسام لعلاج المدمنين للمخدرات الرقمية بأفضل الكفاءات الطبية وأحدث الوسائل وأفضل الطرق للتخلص من هذه الآفة المُضرَّة.