“القيم الأخلاقية في التعامل مع الخلافات الزوجية” اعداد: خلود علي العلياني – باحثة دكتوراه في الأصول الإسلامية للتربية
إن الحياة الزوجية لا تخلو أبداً من بعض الخلافات أو المشكلات التي يمر بعضها بشكل عارض، وهي من الملامح التي لابد أن يستوعبها كل من الزوجين، وأن يكون لديهما القدرة على تفهم موقف الطرف الآخر، والقدرة على التعامل مع الخلاف على حسب درجته وأهميته.
إنّ بعض الأزواج والزوجات لا يَرعى هذه الخلافات انتباهاً كافياً أو لا يهتم بحلها بشكل حاسم، فتتراكم وتسبب المزيد من المشكلات الأكثر تعقيداً والتي ما كانت لتتفاقم لو تم التعامل معها فوراً، وبعض الأزواج والزوجات يبالغ في ردود الفعل تجاه هذه الخلافات ويعتبرها بداية نهاية العلاقة بشكل نهائي، لذلك هم بحاجة إلى التعامل بوعي مع الخلافات الزوجية، وبحاجة إلى تعلم فن إدارة هذه الخلافات.
وعند النظر إلى سيرة سيدة نساء العالمين، فقد حدثت بعض الخلافات الزوجية بين فاطمة وعليّ رضي الله عنهما، فمن ذلك عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليّاً في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج، فلم يقل عندي…”. وهذا يدل على رُجحان عقل السيدة فاطمة وعُلو فَهمها لطبيعة زوجها عليّ رضي الله عنهما، من حيث رجولته ومُروءته، فلا تعمل على خدش حيائه، وذَهاب مروءته بين الناس، فلم تشتكِ منه أو ذكرته بسوء.
لذلك من أهم الخطوات التي لا بد للزوجين أن يقوما بها هي أن لا يبادرا في حل الخلاف وقت الغضب، وإنما يتريّثا فيه حتى تهدأ النفوس؛ فإنّ الحل في مثل هذه الحال كثيراً ما يكون متشنجاً بعيداً عن الصواب. كما نرى من عليّ رضي الله عنه وهو الخروج من البيت مباشرة بعد وقوع الخلاف.
فالحياة بين أيّ زوجين لا تخلو من المشكلات والأخطاء مهما كان مدى سعادتِهما وتوفُّر التفاهم والمودَّة بينهما، ولا يُمكِن اعتبار الزواج زواجاً ناجحاً إلا إذا توفَّرت له عوامل التماسُك والاستقرار، والتي من أهمها التسامح والعفو، فمن منا لا يُخطئ، ولكن هناك الكثير من الأزواج يرون التسامح نوعاً من الضعف. فوجود الخلاف بين الزوجين أمر طبيعي، وسنة كونية يرضخ لها البشر، ولا يسلم منها بيت حتى بيت النبوة.
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُحسن الرجل إلى زوجته إحسانا، لقوله صلى الله عليه وسلم “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. فجعل ههنا خطاً عريضاً من خطوط العلاقة الزوجية على أساسه يبين مدى أهمية هذه العلاقة ومدى أهمية الإحسان فيها. وأمر بالاستيصاء بالنساء فقال “استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان”، وأمر بألّا يسارع الرجل إلى مفارقة زوجته لمجرد عيب فيها رآه، بل ليصبر؛ فإنّ فيها أخلاقاّ أخرى حسنة، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر”.
وأمر الزوجة هي الأخرى أن تعظم مقام زوجها وتحترم قوامته، وتحسن إليه، والمرأة الكيسة الفطنة هي التي تعظّم ما عظم الله ورسوله، وهي التي تقدر زوجها حق قدره: فتجتهد في طاعته، قال ابن تيمية: “وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم {لو كنت آمرا لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها} وعنه صلى الله عليه وسلم {أن النساء قلن له: إن الرجال يجاهدون ويتصدقون ويفعلون ونحن لا نفعل ذلك. فقال. حسن فعل إحداكن يعدل ذلك} أي: أن المرأة إذا أحسنت معاشرة بعلها كان ذلك موجبا لرضا الله وإكرامه لها؛ من غير أن تعمل ما يختص بالرجال. والله أعلم.”
إنّ الكثير من الأسر تعاني من حين لآخر من المشاكل والمشاحنات بين الزوجين على اختلاف مستوى وحدة تلك المشكلات. ومن الصعب إخفاء هذه المشاحنات عن البنات وعادة ما تلتقط البنات هذه الخلافات حتى وإن لم تحدث على مرأى منهن. وللأسف فهذه المشاحنات تؤثر تأثيراً سلبياً شديداً على أكثر البنات، وقد يمتد هذا التأثير ويستمر مع البنت في حياتها المستقبلية. فيقع على الآباء والأمهات مسؤولية الابتعاد عن الأنانية والتفكير إيجاباً في مصلحة البنات وتدريبهن على كيفية التعامل مع الخلافات التي تقع بين بعضهم الآخر.
إشراف: أ.د. صفية بخيت
الأستاذ في الأصول الإسلامية للتربية