أتشرف أن أواصل الحديث معكم حول القانون وجائحة كورونا وهذا المقال هو الختام في هذا الجانب، نظراً لتعدد التأثيرات الناتجة عن جائجة كورونا والتي بلا شك تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها، ونظراً لتطلعنا للطف الله ورحمته، ولأمره لنا بالتفاؤل، وذلك يعطينا الأمل القوي للقول بقرب البشرى بأن يرفع الله هذا البلاء عنا وعن جميع خلقه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولذا فإنني أود أن أستعرض معكم اليوم الدروس المستفادة من التعامل مع هذه الجائحة، لعلها أن تفيدنا في التعامل مع أي مستجدات أخرى.
أولاً (حسن التأدب مع الله) : ومن حسن التأدب مع الله الرضا بالقضاء والقدر وحسن إطلاق التعامل بالنوايا وبالأفعال والأقوال، ولعل تعامل الحكومة أتى في هذا السياق، بدءاً من اختيار اسم اللجنة، حيث جاءت التوجيهات السامية بإطلاق إسم “اللجنة العليا المكلفة لبحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا”، ولم تستخدم بعض العبارات التي أرى أنها لا تحمل التأدب مع الله وكثيراً ما سمعنا عن عبارات يجب علينا أن لا ننطقها، كمحاربة كورونا ومواجهة كورونا، بل ووصل الأمر إلى الإستخفاف بقدرة الله في عبارات وتضرفات كثيرة، كإقامة الحفلات لنقل عدوى كورونا بل ووصل الأمر أن يتم توزيع جوائز لمن يصاب أولاً، وإطلاق صيحات الإستخفاف بكورونا.
ثانياً (إتباع التوجيهات الحكومية) : ولله الحمد فإن معظم أبناء الوطن والمقيمين فيه يمتثلون للتعليمات الصادرة من الجهات المختصة وخاصة توجيهات اللجنة العليا المكلفة لبحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، كما أن سماحة الشيخ/ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وبعض أهل العلم وبعض أهل الحل والعقد كان لهم دور بارز في توجيه الناس للإستجابة لتوجيهات اللجنة ولحسن التعامل مع هذه الجائحة، والبعد عن إلقاء النفس في التهلكة، سواء من خلال تطبيقهم عملياً لتلك التعليمات أو من خلال النصح والإرشاد، ويحسب للجميع التعاون على التواصي على الصبر والتواصي على الحق.
ثالثاً (البعد عن التحليلات والتفسسيرات بغير علم) : ولعلنا جميعاً ندرك خطورة ذلك، فهو محرم شرعاً وقانوناً، فالإسلام يُحرم الإفتاء بغير علم، والقانون أيضاً، ولعل من الخطورة بمكان أن يكون هناك من يسمع ولا يعي ما يُقال، فيطبق ما سمع وبالتالي قد يقع في المحذور، والنتيجة بلا شك سلبية على الجميع.
رابعاً (تشكيل اللجنه العليا) : لعل الجميع يُدرك أن السلطات الثلاث في الدولة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وإن كانت منفصلة عن بعضها البعض، إلا أنها يجب أن تتكامل وتتعاضد لخدمة الوطن ومن يقيم عليه، ومن هذا المنطلق كنت أتمنى أن أرى ضمن تشكيل اللجنة العليا من يمثل السلطتين التشريعية والقضائية والرقابية، فللمواطن رأي يجب أن يُستمع إليه وهو صوته الذي ينطق باسمه (مجلس الشورى)، وإن كان هناك من يقول بأن دور المجلس رقابي، فالرد عليه بأن للمجلس أدوار كثيرة منها (الرقابي والتشريعي)، ووجود من يمثل المواطن مهم جداً لينقل هموم الوطن وأبناءه لهذه اللجنة وتأثيرات القرارات عليهم وتعامل القطاعين العام والخاص معهم ونتائج ذلك، وليس هناك ما يمنع من أن يمارس المجلس دوره الرقابي في أي مرحلة من مراحل عمل اللجنة، كما أن في المجلس لجنة تختص بالنظر في الأمور الصحية وهي بلا شك تقوم بدراسة الأمور المتعلقة بالنواحي الصحية ورفع توصياتها للجهات المختصة، ولذا فإن من المناسب أن يكون في اللجان القادمة ممثلاً لوزارة الشؤون القانونية وممثلاً للإدعاء العام وممثلاً أو أكثر لمجلس الشورى.
من المبادئ القانونية المستقرة في دساتير وقوانين العالم مبدأ المشروعية، ولهذا المبدأ نتائج كثيرة منها، تحديد دور السلطة التنفيذية في التشريع الجزائي، فهي تتولى إصدار التشريع الفرعي (اللائحي) في حالات محددة ومنضبطة، ولكوننا في بلد الحريات والقانون، فإن الواجب يحتم أن تتولى السلطة التشريعية وضع القوانين وخاصة الجنائية وعدم إسنادها للسلطة التنفيذية للعديد من المحاذير، ولعل منها رفع مقدار العقوبات، وما يؤدي إليه من نتائج سلبية في مختلف النواحي.
خامسًا (التكامل والتنسيق في القرارات والمتابعة الفاعلة في التنفيذ) : من القرارات الصادرة أنه يجوز للقطاع الخاص تخفيض الرواتب بشروط معينة، ونجد أن هناك تجاوزات في هذا الأمر، كذلك صدرت التوجيهات للبنوك بمراعاة المقترضين المتضررين من جائحة كورونا، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن المواطن قد تحمل فوق طاقته، أو بلغة أهل القانون المدني (تحملّ تبعة الهلاك)، فهناك المسّرحين من العمل وهناك من أُجبر على أخذ إجازة سنوية وهناك من خُصم راتبه أو جزء منه وفي حالات لا تشملها التعليمات وهناك من قام بتعليق جزء من الراتب، وللأسف فإن البنوك تقوم بإستقطاع أقساط المديونيات، ومن تكرّم على المواطن وضع شروطاً صعبة للغاية تضع المواطن لا يفكر حتى في تقديم طلب تأجيل الأقساط، ولعل ما أضفى على الأمر صعوبة أكثر أن هذه الإجراءات جاءت في مناسبات تتطلب مصاريف كثيرة (شهر رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى، الدراسة عن بُعد واضطرار بعض الأسر لشراء مستلزمات التعليم عن بٌعد لأبناءها كالحاسوب وطلب خدمات الإنترنت وغيرها)، ومما لا شك فيه أن الحكومة سعت للحفاظ على أمن الوطن والمواطن والمقيم بالمعنى العام، ولكن يجب تفعيل دور متابعة القطاعين العام والخاص للتأكد من قيامهم بوضع تعليمات الحكومة الموّقرة موضع التتفيذ حتى يعلم الجميع، أن أمن الوطن ومن عليه مسؤولية كبرى مقدمة على المصالح الخاصة، وأنه في وقت الأزمات يجب أن يكون القطاع الخاص العضد والسند للحكومة التي لم تقصر معه في زمن الإستقرار، وأعطته من المشاريع ومن التسهيلات ما يسّر له تحقيق أرباح وتوسعة مشاريعه، وبالتالي فإن عامل الرقابة والمحاسبة لهذا القطاع واجب، ففساد هذا القطاع يؤدي لفساد البلد بأكمله.
لعلي أكون قد أشرت إلى أهم الملاحظات التي يجب الإنتباه لها، حفظ الله سلطاننا هيثم وغفر لوالدنا وسلطاننا قابوس ابن سعيد وأدام على عُماننا وعلى شعبها ومن يقيم فيها العز والرخاء والأمن والأمان، ورفع عنا البلاء والوباء والإبتلاء، ونلتقي على خير.