محلياتمقالات

“القانون وجائحة كورونا”بقلم: د أحمد بن صالح البرواني أستاذ القانون الجنائي المساعد بكلية البريمي الجامعية

لا شك أن لكل زمان ظروفه التي تستوجب التعامل معها بطريقة تضمن إجتياز تلك الظروف بأقل ما يمكن من آثار سلبية، وقد تجبرنا بعض الظروف أن ننحني قليلاً لتفادي الإصطدام بما قد يسبب لنا نتائج لا تحمد عقباها، وبلا شك أن فيروس كورونا -والذي يعلم الجميع ما قد ترتب عليه من آثار إجتماعية وأقتصادية وسياسية وقانونية وطبية ونفسية وغيرها-، قد أجبرنا على الرضوخ لإجراءات لم نكن نتوقع أن نجبر أنفسنا على إتباعها، وهذه الإجراءات أثرت على معظم المراكز القانونية، وليعذرني من توقع أنني سأتطرق للجانب القانوني بشكل مباشر، فذلك يتطلب منا مؤلفات كثيرة، ولكن سأعرج على بعض الآثار بشكل مختصر، ومن أهم هذه الآثار المسؤولية الجنائية والمدنية عن تفشي مرض كورونا، وقد يعتقد البعض ان هذه المسؤولية تقع على عاتق الأفراد فقط، بينما الأكيد أنها تقع على عاتق الإدارة أولاً فبلا شك أن اللجنة العليا المكلفة لبحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا ووزارة الصحة ملقى على عاتقهم الدور المهم في الحد من الآثار السلبية لهذا المرض وبالتالي فأي خطأ من اللجنة أو من قبل الوزارة يستوجب المساءلة الجنائية والمدنية والإدارية وفقاً لقواعد المسؤولية المقررة قانونياً، كما أن المؤسسات الأخرى سواء أكانت حكومية أو أهلية هي الأخرى مخاطبة بضرورة إتباع تعليمات اللجنة العليا المكلفة لبحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وبالتالي فيجب على هذه الجهات اتباع التعليمات الصادرة من هذه اللجنة وتطبيقها التطبيق الصحيح سواء إقتضى الأمر بغلق المؤسسة أو فتحها بإتباع إجراءات معينة، أو غير ذلك، ويأتي في المقام المهم الفرد فهو عصب الحياة وهو الرئيس وهو المرؤوس، وعليه يقع واجب إتباع التعليمات الصادرة عن اللجنة وعليه أن يحتاط لنفسه وأن لا يُلقي بنفسه إلى التهلكة وإلا عرض نفسه للمساءلة القانونية.
وبالإنتقال إلى الآثار المتعلقة بالقانون والمتوقع حدوثها نتيجة تفشي هذا الوباء، فهي كثيرة ومتعددة أهمها: إرتكاب الجرائم كالقتل العمد والقتل الخطأ والإيذاء العمد والإيذاء بطريق الخطأ وإجهاض الحوامل، كما أن هناك تأثير على مُدد الإجراءات القضائية والتي بلا شك قد تؤثر على المتهمين وعلى أهم حقوقهم، إذ أن الحق في محاكمة عادلة والمقرر بموجب النظام الأساسي للدولة وبموجب قوانين الإجراءات يستلزم ما يسمى بالحق في سرعة الإجراءات ولا شك أن ذلك يؤثر على المراكز القانونية فمثلاً المتهم سيظل متهماً إلى أن يصدر فيه حكم سواء بالإدانة أو بالبراءة ولعل بعض من يحكم عليهم بالإدانة يستلزم الأمر أن يصدر في حقهم لاحقاً رد إعتبار وبالتالي فإن التأخير في إجراءات المحاكمة ربما قد يفوت بعض الحقوق والمصالح على الأشخاص.
وهناك بعض الآثار والتي يجب الإنتباه لها وربما سيكون الحل صعباً إذ أن بعض هذه الآثار يصعب وضع معيار منضبط له، فمثلاُ التأخير في تجديد المركبة يستوجب دفع غرامة تأخير بعد مضي شهر على الإنتهاء ولا شك أن بعض الأشخاص وخاصة ممن لا يجيدون استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة قد لا يتمكنون من تجديد مركباتهم وبالتالي سيترتب عليهم دفع الغرامات وهذه الفئة تحتاج للمراعاة تقديراً لظروفهم، ولكن هناك محاذير من أن يتم استغلال هذه الإجراءات من قبل بعض الفئات وبالتالي فيجب وضع معيار منضبط وأن تكون الإستثناءات محددة وأن تمنح الصلاحيات لعدد محدد من ضباط المرور، وهناك أمثلة أخرى كتجديد الإقامات ورخص القيادة وغيرها، وهناك أيضاً بعض العمالة الغير عُمانية والتي سافرت إلى بلدها ونظراً لعدم مقدرتها على العودة خلال الفترة المحددة نظراً لإغلاق الحدود وغيرها من الإجراءات هي محل تساؤل من قبل العديد من أصحاب العمل عن الآلية التي سوف تتبع لإستقدامها مرة أخرى وهل ستترتب عليهم إجراءات إضافية ورسوم أخرى، ولعل ما يطمئن الجميع أننا في سلطنة عُمان تحت ظل قيادة حكيمة ورثت المجد عن كابر، هذه القيادة جعلت سعادة المواطن ورفاهيته من أهم أولوياتها.
لعل المقام يطول فهناك العديد من الآثار المترتبة على هذه الآثار سنحاول بإذن الله التطرق لها في المقال القادم، وقبل أن أختم هذا المقال أود أن أنبه إلى أن التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه كانت من الدقة بمكان ويكفي أن نشير إلى التأدب مع الله في إختيار العبارات لتسمية اللجنة، حيث أطلق عليها جلالة السلطان إسم اللجنة العليا المكلفة لبحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، وهي عبارات دقيقة تحمل في معناها الرضا التام بقضاء الله وقدره وتحمل أيضاً الإهتمام بالوطن والمواطن والمقيم، حفظ الله سلطاننا هيثم وغفر لوالدنا وسلطاننا قابوس إبن سعيد وأدام على عُماننا وعلى شعبها ومن يقيم فيها العز والرخاء والأمن والأمان، ونلتقي على خير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى