الصحةمقالات

“الغذاء و السرطان”بقلم : د.محمد بن عبدالله الحوسني استشاري جراحة أورام السرطان

يعتبر الغذاء أحد أهم الأساسات الحياتية و التي لا تقوم الحياة بدونها. هناك العديد من العلاقات المباشرة المفترضة بين نوع الغذاء و أمراض السرطان. ما مدى صحة هذه الافتراضات و ما مدى تأثيرها على حياتنا؟
كثيراً ما يسألني المرضى عن الأغذية المسببة للسرطان, و عن نصائح متعلقة بما يمكن أكله لعلاجه. أجد الكثير من المعلومات المغلوطة التي يجدونها في الفضاء المعلوماتي الإلكتروني تزيد من معاناتهم و لا تعين في علاجهم. منهم من حرم من أطعمة مهمة لهم لسنوات عديدة بسبب معلومة خاطئة. لذلك وجب حصر هذه المصادر في الأطباء المتخصصين في هذه الأورام و في المواقع الطبية الموثوقة.
تتكون هذه العلاقة بين السرطان و الغذاء من ثلاثة محاور, تأثير الغذاء في البنية الأساسية الجسمية، الأغذية المسببة للسرطان، و الأغذية المنشطة للجهاز المناعي المحارب للسرطان.

-المحور الأول: تأثير الغذاء في البنية الأساسية الجسمية
نحرص كثيراً على تربية أطفالنا و توفير كل ما يلزمهم لحياة كريمة، هل فكرنا في كيفية اعطائهم أجسام مقاومة للأمراض و السرطانات؟ منذ تكون الجنين من نطفة في بطن أمه و حتى مغادرته لهذه الحياة يتجدد جسمه بدون توقف و من دوم أن نشعر. تتجدد معظم خلايانا مع نمونا، أي أن النسيج الذي ولدنا به لا يبقى بل يستبدل أثناء النمو. تأتي لبنات هذا الجسم المتنامي من ما نأكل في مراحل حياتنا، أي أن مدى قوة و مناعة أجسادنا يأتي من الغذاء. فإذا أعطيت طفلي غذاءً متكاملاً نشأ بجسم قوي و جهاز مناعة مقاوم لتكون السرطانيات في المستقبل. أما إذا أمضى أوائل سنينه بين كل ما يهدم جسمه من مواد صناعية كثيرة الأملاح و السكر فهو يبني جسماً خصبا لكل مرض و ورم.

-المحور الثاني: الأغذية المسببة للسرطان
لا توجد علاقات مباشرة لأطعمة معينة بتكون السرطانات، و لكن توجد علاقات مثبتة لأنظمة غذائية و لسلوكيات غذائية اجتماعية. كلما كان النظام الغذائي مكوناً من المواد الأساسية الطازجة من اللحوم و الخضار مع الفواكة و الكربوهيدرات، كلما قلت المواد المسرطنة في هذا الغذاء. كلما زادت كمية المواد الصناعية و المكررة كلما احتوى الغذاء على السموم. فمثلاً، الأنظمة الغذائية كثيرة اللحوم الحمراء معادة التصنيع، كثيرة الدهون و قليلة الألياف قد تزيد من خطورة الإصابة بأورام القولون و المستقيم، الأغذية الباعثة على الحموضة المزمنة للمعدة و خاصة إذا ترافق هذا مع التدخين أو ادمان شرب الكحول يزيد من خطر سرطانات المعدة.

-المحور الثالث: الأغذية المنشطة للجهاز المناعي المحارب للسرطان
يعتبر الجهاز المناعي هو الجيش الحارس لأجسامنا من كل المواد الضارة القادمة من الخارج و كذلك من كل خلايا غير طبيعية داخلية. تعتبر الخلايا السرطانية خلايا متمردة على نظام الجسم، تتكون أثناء التكاثر المستمر في داخل أجسامنا و لكن الجهاز المناعي السليم يتمكن من القضاء على هذه الخلايا الغير طبيعية بشكل يومي. إذا ضعف جهاز المناعة و أصابه الخلل وجدت هذه الخلايا المستعصية طريقها لتكوين الأورام السرطانية. توجد هناك العديد من الأغذية المنشطة للجهاز المناعي و ينصح ببدء تناولها من نعومة الأظافر. على عكس ما يعتقد البعض فهذه الأغذية سهلة الحصول، جميلة المذاق و ممتعة الطعم. فاللحوم البيضاء و السمك، مع الحمضيات و الخضروات الخضراء كالبروكلي و السبانخ بدون أن ننسى المكسرات و الشاي الأخضر مع الفواكة اللذيذة كالفيفاي، تجعل من أطباقنا متعة فريدة و من جهازنا المناعي حصنا منيعاً في وجه السرطان. و لن أنسى في هذا السياق أكبر المنشطات المناعية غير الغذائية و هي الرياضة البسيطة المستمرة ففائدتها تتعاظم مع وجود الغذاء السليم.
و في النهاية، لا يمكن فصل الطعام و أهميته في تكوين أجسامنا عن ما نواجهه من أمراض قد تهدم هذه الأجسام. أكبر علاج لهذه الأمراض هو الوقاية منها بتأسيس بنية جسدية متينة فنحن نحمل مسؤولية أجسادنا التي وهبنا الله، و ينبغي علينا السعي للحفاظ عليها من كل سقم و ورم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى