مقالات

“الشريكان بالغرفة” بقلم : خلفان بن علي بن خميس الرواحي

 في وسط غرفة لا تحوى من الاثاث غير تلك الطاولة المتهالكة والتي تحاول الاستمرار على الوقف بأرجل مكسورة قد أجبر كسرها بالعديد من الاقمشة الممزقة وجوارها كسري عبارة عن برميل قديم كان يجلس عليه احيانا عند تناول الطعام الذي يحصله يوما وأياما يصوم عن الطعام مجبرا لا اختيارا.. يتدلى من السقف مصباح دائري يضيئ البقعة التي تسكن بها الطاولة فكان الضوء دائري لا يملأ المكان وعليه لمسة سوداء لكثرة الاتربة عليه وفضلات الذباب التي حولته إلى السواد.. لم يتعود على الخروج كثيرا من هذا المكان فقد اعتاد الحياة في الظلمة.. كان يخاف من النور عندما يخرج لا يلبث يعود إليه.. ليس من يخفف ظلمة المكان غير ذلك الرفيق الذي تعود على وجوده أسفل الطاولة ينظر إليه حتى يرمي له بعض الفتات حتى يقتات به وكان ذلك المصاحب أكثر ذكاء من صاحبه فقد كان يأخذ خلسة بعض الطعام ويحتفظ به في مكان يعرفه هو يعود إليه عند الحاجة.. من الوحدة الحديث اليومي بينهما لا ينقطع نظر له اليوم وكأنه ينتظر منه سؤالا.. بعين جاحظة يفتح فاه ويحرك قدميه وكأنه يريد القفز على الطاولة ولكنه لا يسمح له بذلك.. ادري بك تريد أن تعرف حالي اليوم.. انتظر سوف احكي لك القصة.. يحرك رأسه ويمد بطنه على الأرض استعدادا للاستماع للقصة التي تعود عليها منذ أن التقينا في هذه الغرفة وتكونت بينهما علاقة وصحبة.. أخذ قطعة من الخبز اليابس الذي أمامه ووضعها في كوب الشاي المكسور جزءا منه ووضعها في فمه ومضغها بجمال وحنيه وكأنه يمضغ ورك ضأن وليد طرية لحمته.. وأخرج نفسا عميقا من داخله ومد قدميه للأمام كأدت ان تبدد كل أحلامه عندما ضربت قدمه إحدى قوائم الطاولة وشارفت على السقوط تمالكت نفسها واعلنت الصمود.. عواد النظر إليه وقال له : اتعرف ما يتحرك داخلي الآن.. انه امر انت لا تعرفه.. لقد رحلت في ليلة عرسنا.. بثوبها الأبيض.. كنت في انتظارها ولكن لم تصل.. كل الذي وصل جثمان ملطخ بالدماء.. يبكي بشدة يكاد صوت بكائه يصل لكل مكان حوله.. ينظر لصاحبه وكأنه يطلب منه المواساة يحرك رأسه قليلا ويفهم منه أن يشاركه ألمه هذا ما كان يتمناه.. ينهض من كرسيه ويقوم بجولة في الغرفة يتعثر في الكثير من الأشياء المبعثرة بها والتي لا يعرفها احيانا علب ومرات بقايا طعام وثالثة أشياء غريبة كان يستمتع بركل العلب التي تصدر صوتا تدخل السرور إليه وكأنها أحاديث متبادلة.. يصل لذلك المكان الذي تعود أن ينام عليه بعيدا عن بقعة الضوء هناك ظلام دامس يضع جسمه المرهق على ذلك الفراش البالي والغطاء الممزق الذي لا يبعد عن البرد في هذه الليلة الأكثر بردا عن سابقتها.. يحاول النوم ولا يستطيع.. بعدة فترة ينام.. يتحرك صاحبه من مكانه ويدخل أسفل السرير ويبحث له عن مكان هو الآخر لينام به.. تمر تلك الليلة مثل أخواتها الليالي السابقة لا جديد يذكر وسوف يتكرر الأمر من جديد الليلة القادمة والتي بعدها.. يغطان في نوم عميق ليس في الغرفة صوت إلا حركة المصباح المعلق الذي يحرك الهواء الداخل من تلك الفتحة في الجدار لو احد غيرهما ينام فيها لن يستطيع الوصول إلى النوم لقد تعودا على ذلك.. أشرقت الشمس في الخارج ولكن ضوؤها لا يصل إلى الغرفة فحتى النهار ظلام احس صاحب الذيل الطويل بظهور النهار يستيقظ بهمة ونشاط مارس حركته العادية بالدوران في الغرفة ليحث صوتا لعله يوقظ صاحبه ولكن دون جدوى مازال مستغرقا في نومه.. قرر الخروج للبحث عن الرزق لعله يجد شيئا يأكله في الخارج أفضل مما يجده هنا.. هناك وجد العالم مختلف ضوء وهواء وفضاء كبير فرح .. تعود الخروج بين فترة وأخرى يروح عن نفسه ليس مثل صاحبه لا يخرج إلا في ساعات الليل يقبر ذاته في الظلام ليله ونهاره.. هنا وهناك كان يتجول ذلك الفأر الأبيض الذي تعلو ظهره بقعة سوداء.. كان يحذر ان يصادف عدوه الأول ذلك القط الشرس الذي ينتظره كل مره عندما يخرج ويفلت منه بصعوبة ولكن اليوم لم يره وهذا جعله يطمئن ويركز في عملية البحث عن الطعام.. يملأ بطنه بكل ما يجده أمامه وكأنه يخزن للأيام القادمة عندما أحس بالتخمة قرر العودة.. دخل من حيث خرج ومازال صاحبه نائما.. صعد على السرير ومر على جسمه ولكنه لم يحدث أثرا فيه اقترب من أذنه وعضه وكأنه يطبق قيل عليها ولكنه لم يتحرك استغرب من حاله ماذا حدث له.. مضت الساعات وجاء الليل ومضى واليوم الثاني وصاحبه لم يستيقظ.. طول تلك الفترة كان يجلس على رأسه ويحرك ذيله على وجه دون حراك منه هنا قرر الخروج وله يجد من يساعده.. ولكن كيف يعمل الآخر بما هو موجود بالداخل.. خرج من الفتحة واتجه للطريق ووقف عند باب الغرفة لعل احد يراه ويطارده ويصل للباب ويفتحه.. ايام حاول أن يلفت انتباه المارة دون جدوى.. ولكن مع مرور الوقت بدأت الرائحة تنبعث من الغرفة واتضايق منها الناس ولابد من اكتشاف سببها.. طبعا لم يفقده احد لأنه كان لا يخالط أحدا يعيش لحاله.. فتح الباب ووجدت الجهات المسؤولة جثة الرجل وقد تلفت واكلها الدود ولم يبق منها إلا القليل وضع ما تبقى في قيل ودفن في مكان بالمقبرة.. كان الصديق يراقب كل شيء وفي النهاية عاد إلى الغرفة ولم يجدها كما كانت.. لقد سقطت الطاولة والكرسي ولم يبق الفراش وكذلك  السرير حتى بقعة الضوء تلاشت مع تحطم المصباح.. لقد تغير كل شيء هنا فلم يعد المكان كما كان والحياة يه أصبحت مستحيلة  عندها قرر الرحيل والبحث عن مكان آخر يجد فيه الأنس والراحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى